فاضل طوى على الفضل أديمه. وأديب نش به من الأدب حديثه وقديمه. فاستخدم من الكلام حره ورقيقه. وأصبح وهو القاضي الفاضل على الحقيقه. طلعت شمس محتده من المغرب. وطارت بنظيره عند كمال بدره عنقاء مغرب. فلم يكن في آخر الوقت من علماء الحرمين من يجاريه أو يباريه. فأقر بوحدانيته في الأدب لسان القلم وهو باريه. نظم ونثر. وأحسن العين والأثر. فدبج الطروس بوشي يراعه. وأبهج النفوس بحسن اختراعه. إلى دماثة أخلاق تستنير بها الليالي الجون. وطيب شيم أرجت نفحته أرجاء الصفا والحجون. وكان امام المالكية بالمسجد الحرام. ومرجعهم في مسائل الحلال والحرام. وقد رأيته بمكة شرفها الله تعالى. وهو كافوري الشعر مسكي الثناء. يبهر العيون والقلوب سنا وسناء. ولم يزل في جاه وجيه. وعز لا يقنط مرتجيه. حتى وافته منيته. وانقطعت من الحياة أمنيته. فتوفى سحر يوم الخميس لثمان مضين من شهر ربيع الأول عام ست وستين وألف وحضرت الصلاة عليه وشيعت جنازته مع جميع أكابر مكة المعظمة إلى مدفنه ودفن بالمعلاة عصر ذلك اليوم. وها أنا مورد من سجعه وقريضه. ما يقصر طويل القول عن نعته وتقريظه. فمن انشائه ما كتبه عن لسان سلطان مكة المشرفة الشريف زيد بن محسن إلى مولانا السلطان خلد الله ملكه. وأجرى في بحار النصر فلكه. في شان الوالد عام دخوله الديار الهنديه. وكان قد تكرر من مولانا السلطان طلب إرسال الوالد إلى حضرته من الشريف المذكور ونصه ما صدع خطيب اليراعه. ولا صدح عندليب البراعه. بأحسن من سلام يغدو من أهله إلى محله. ويبلغ بلوغ الهدى الواجب إلى محله. مشفوعاً بثناء ينفح عند نشره الوجود. ويفضح ببشره الروض المجود. يتلوهما بث اشتياق ووداد. واخلاص واتحاد. إلى الحضرة التي شيد على أساس العز بنيان مجدها. وأشرق في أوج الجلالة طالع سعدها. والذات التي هي جوهرة تاج الملك. وواسطة عقد ذلك السلك. خلاصة الملوك الذين خفقت على مفارقهم البنود. وتشرفت بالسير في ركابهم العساكر والجنود. وخضعت لهيبتهم الضواري من الأسود. وتواضع لجلالتهم السيد والمسود. حائز فضيلتي الفخر والجلاله. وحاوي منقبتي الكرم والبساله. ووارث العظمة التي لم يك يصلح إلا لها ولم تك تصلح الإله. وراقي معارج المجد الذي جر على المجرة أذياله. ومجرى أنهار الكرم التي واردها لا يظما. وناظم شمل المعاني التي أعجز البلغاء وصفها نثراً ونظماً. مولانا السلطان أبو المظفر عبد الله قطب شاه لا زالت رايات إقباله منشوره. ولا برحت آيات إجلاله على صفحات الدهر مسطوره. وبعد فان السيد الجليل. العريق الأصيل. الفائز عند الاستهام على الفضائل بالقدح المعلى. القائم على قدم أسلافه في سلوك الطريق المثلى. ذا القدم الراسخ في جميع العلوم. السيد الجليل أحمد بن معصوم. هو كما علمتم قد غذى لبان الفخر والجلاله. وورث العلوم عن غير كلاله. وروى حديث العظمة عن أسلافه بالسند الموصول. وبهر العقول في المعقول والمنقول. ومهر في تحقيق العلوم. وملك أزمة المنثور والمنظوم. وجمع ذلك إلى ما اتصف به من شرف النسب. واحتوى على طرفي الكمال الغريزي والمكتسب. فهو الذي إن افتخر بنفسه كان له منها عليها شواهد لكل راء وسامع. أو إن فاخر بآبائه قال
أولئك آبائي فجئني بمثلهم ... إذا جمعتنا يا جرير المجامع
وقد أحلته فضائله لدينا من المكانة أعلى مكان وأرفع محله. وحلته أوصافه وشمائله بحلى الكمال الذي احتسى به منا صفوة الاصطفاء واكتسى به حلة الخله. بحيث كنا لا تخطر مفارقتنا له في الأوهام. ولا نجوز أن نتصور بعده عنا ولو في الأحلام. ولكن لما تكرر الطلب منكم له المرة بعد المره. وفهمنا الرغبة منكم في وفوده على تلك الحضره. وعلمنا أن تصوركم لصورة أدبه وكماله لا ينفك عن التصديق. وتحققنا إن مقدمات أفضاله وفضائله لمقدمة لديكم بديهية الانتاج لكونها مسلمة بالتحقيق. وجزمنا بأن الخبر عند ملاقاتكم له سيصغر الخبر. وإن الأذن لم تكن سمعت بأحسن مما قد رآه البصر. سمحنا له بالتوجه إلى ذلك السوح المعشب المراد. والنادي الذي يبلغ الأرب مريده فكيف بمن كان هو المراد. فالمأمول مقابلته بما يجب له من الاجلال. ومعاملته بما يقتضيه ما اشتمل عليه من كرم الصفات والخلال. بحيث يكون لديكم في منزلة دونها السها. ورتبة ليس وراءها منتهى.