إذا كنت صدر القوم قل ما تريده ... وإن كنت دوناً فاستمعهم وسلم
وإن كنت فيما بين ذلك رتبة ... فكن واعياً للقول ثم تكلم
وقوله
لا تحقرن من الكرام صغيرهم ... فأبن الكرام بكل حال يكرم
واعلن فرب صغير قوم في الورى ... بكبير قوم آخرين وأعظم
وقوله
إذا ما احتجت في أمر لشخص ... تكن في أسره بمقام ذلك
وإن تستغن عنه تكن أميراً ... وما المملوك في أمر كمالك
وهذا من قول بعض السلف احتج إلى من شئت تكن أسيره. واستغن عمن شئت تكن نظيره. وأحسن إلى من شئت تكن أميره. ومن فوائده ما نقله عن عمه أبي الثنا محمد بن بدر الدين البيلوني انه قال له لا تباحث من هو أعلا منك رتبة لأنه ربما انجر الكلام إلى مسئلة معلومة عندك لم يطلع عليها الشيخ فتحمر وجهه ثم لا تكاد تفلح إن رأيت في نفسك شيئاً ولا من هو مثلك فإنه لا يسلم لك كما أنك لا تسلم له فيفسد عليك عقلك وتفسد عليه عقله والعاصر لا يناصر وعليك بن هو دونك فإنه يستفيد منك بغير انكار وتستفيد أنت بإفادته فقد روي عن ابن الحنفية رضي الله عنه من أحب أن يظهر الخطا في وجه مباحثه فقد أخطأ هو لرضاه بالخطا والله أعلم والبيلوني قال في الريحانة نسبة إلى بيلون وهو طين أصفر تسميه أهل مصر طفلاً انتهى وفي التذكرة طفل يسمى طين فيموليا والبيلون
[الشيخ مصطفى الفرفوري]
بقوله في الشريف مسعود بن ادريس لما تولى امارة مكة المشرفة في سنة تسع وثلاثين وألف. أميرنا السيد المفضال مسعود. من وصفه العدل والانصاف والجود.
توارث المجد عن ادريس والده ... أكرم به والداً أحياه مولود
وله أيضاً
أبا خالد أحسنت لا زلت محسناً ... رفيقاً بمن يأوي جوارك هاديا
ثنيت عنان الفلك عنك مودعاً ... وداع امرء لا يرجع الدهر ثانيا
الشيخ عرس الدين الحمصي
الخليلي
أديب أحرز من الأدب طرقاً. وحوى منه جانباً مستظرفاً. فنظم شعراً وسطاً. وصال به متشاعراً وسطاً. وكان بغيضاً إلى الطباع. بعيداً عن الانطباع. وقد حاجاً إلى مكة المعظمة. وفي نفسه ما فيها من التكبر والعظمة. فلم يلتفت إليه من أهلها أحد ولم يكن له بها من المعارف ملتحد. فخيل له فكره المريض. أن يهجوهم بالكناية والتعريض. فمنى منهم بالداء العياء. والداهية الدهياء. حتى أضرع وخضع. وألقى سلاحه وأوضع. فكفوا الألسنة. وتلافوا السيئة بالحسنة. ثم انتقل إلى المدينة المنورة فولى بها خطيباً. واستنشق من عرف ذلك الجوار الشريف طيباً. ولم يزل بها حتى بلغ عمره المدى. فألبسه المنون رداء الردى. وكان أول ما نظمه في أهل مكة قوله
جيران مكة جيران الاله لذا ... لا يعبؤن بمن قد غاب أو حضرا
لولا الطبيعة عافتهم لكان لهم ... اسراء روح بسر السرّ قد ظفرا
ثم قال فيهم أيضاً
علما مكة جاوزوا إلا فلاكا ... عزاً وحق لهم لعمرك ذاكا
لولا الرئاسة في رؤس نفوسهم ... كانوا وحقك كلهم أملاكا
فكان أول من انتدب لجوابه القاضي تاج الدين المالكي فقال مجيباً له عن البيتين الأولين
جيران مكة غرس الدين أينع في ... قلوبهم باسقا يهدي الهدى ثمرا
سقوه من أنهر الاخلاص صافيها ... فاخضل يطلع من أكمامه زهرا
ومن يكن روض غرس الدين مهجته ... أسرى وفاز بسر السر حين سرى
به قد اتحدوا إذ كان بينهم ... تواصل معنوي من الست جرى
فحيث دارت كؤوس الاتحاد على ... الأرواح ما اعتبروا الأشباح والصورا
فلما بلغته هذه الأبيات كتب إلى القاضي تاج الدين
يا شهم مكة يا تاج الرؤوس بها ... يا سهم بك قد بكت من عذرا
يا حبر علم يزيد الطالبين بها ... يا بحر فهم به يستخرج الدررا
يا رب حذق غدا رب البيان له ... عبداً وألقى عصى التسليم مقتفرا
يا ألمعياً أضاءت من لوامعه ... مشارق الذهن بالذوق الذي بهرا