وباتت لنا حتى الصباح نديمة ... إذا ما طواها السكر ضاع لها نشر
تدير علينا من كؤوس حديثها ... عتيق سلاف راح يسنده الثغر
كما أسندت في العلم والحلم والتقى ... أحاديث من ثمه ثم له الشكر
أمير به غصن المكارم يانع ... نضير وضوح المجد منه له زهر
كريم بنا للجود بيتاً مصمداً ... رفيعاً له في كل زاوية فخر
فتى زاد كل الخلق رأياً وحكمة ... وأعزب حتى قيل فيه هو الدهر
فتا أمره بالفضل والبذل والندى ... فسار له في كل قافلة ذكر
تراه الورى شفعاً لصحبته النهي ... ولكنه ما بين أهل النهي وتر
فاقسم لو أن شاء مطرٍ مديحه ... وساعده في ذلك النظم والنثر
لما بلغوا معشار عشر صفاته ... ولو فنيت فيه القراطيس والحبر
إليك أبيت اللعن سارت ركائب ... وجاء لحاديها بحيها لها زجر
تكاد من الشوق العظيم إليكم ... تطير بنا شوقاً وأنّى لها الصبر
ولاحت لها من أصبهان بوارق ... توقد منها بين أخفافها جمر
فلو لم نعوّذها بنصف لا حرف ... من اسمكم ما ذل منها لنا ظهر
سوى نظمنا الاخلاص في سلك خدمة ... يقوم بنا يوماً إذا قعد الدهر
السيد ناصر بن سليمان
القاروني البحراني
هو من قوم لم يجنح المجد عن خطتهم إلى التخطي. وفيهم يقول شاعر البحرين جعفر بن محمد الخطي.
آل قارون لا كبا بكم الدهر ... ولا زلتم رؤوس الرؤوس
وهذا السيد ناصر عزهم. وناشر بزهم. وصفوة مجدهم. وبؤة مجدهم. وفرقد سمائهم. وأوحد عظمائهم. وراس رؤسهم. وباسق غروسهم. الخطيب الشاعر. الرحيب المشاعر. نثر فأكثر. ونظم فأعظم. وصاب فأصاب. وجاد فأجاد. وقضى وشرع. ونضا وأشرع. ففرع وفنن. وبرع وتفنن. فنظمه وشح الزمان. ونثره نجح الأمان. يفضل زهر المروج. بل يفضح زهر البروج. ويفوق سجع الحمام. بل يخجل سفح الغمام وقد أثبت من كلامه. وزهرات أقلامه. ما تنافح به القمارى. وتصادح به القماري. أخبرنا شيخنا العلامة جعفر بن كمال الدين البحراني. قال كنت ذات يوم جالساً في مسجد السدرة أحد مساجد القرية المعمورة المسماة بحد حفص أحد قرى البحرين وهو مدرسة العلم. ومجمع أولي الفضل والحلم. وكان عميد البلاد وكبيرها. وقاضيها القايم به تدبيرها. السيد حسين ابن عبد الرؤوف جالساً في ذلك المجلس وإلى جنبه السيد ناصر المذكور. وأحد المدرسين يقري كتاب القواعد المشهور. فجاء ابن أخ السيد حسين المشار إليه نافحاً كمه. وزحزح السيد ناصر عن مكانه وجلس بجنب عمه. فغضب السيد ناصر وعتب. وتناول القلم مسرعاً وكتب. لا تعجبن من تقدم ذي البنان الخاضب. على ذي البيان الخاطب. وذي الطرف الفتون. على ذي الظرف والفنون. وذي الجسم الفاصل. على ذي الجسم الفاضل. وذي الطول. على ذي الطول. فإن الزمان طبع على هذه الشيمة. منذ كان في المشيمه. وكتب ناصر بن سليمان البحراني. ورمى بالبطاقة وقام. وأقام على المعنى من بلاء ما أقام. وأنشدني شيخنا المذكور للسيد ناصر هذا
أيا من يغالي في القريب ويشتري ... قرابة انسان بألف أباعد
تعال فإني ليتني لا قريب لي ... أبيعك منهم كل ألف بواحدٍ
وأنشدني أيضاً قال ونظم هذه الأبيات وهو في السفينة وقد عصفت بهم الريح وأشرفوا على الغرق فقال
خليلي لو ذقت النبا قبل هذه ... وحدثني عنها الصديق المصدق
لعمركما لم أرتحل قيد اصبع ... ولو كنت أحيى بالرحيل وأرزق
فلا تسلا عني فإني ميت ... بلا مرية والملتقى يوم تخلق
فإن عشت حياً ثم عدت لمثلها ... فإني أخو الخرقا بل أنا أخرق
وأنشدني له أيضاً
ألا رب ليل بت غير مدثر ... على خفر فيه وغير موسد
تسامرني فيه البعوض وكاسها ... معتق جسمي لا معتق صرخد
وأنشدني له من مرثية المرحوم نجم بن علي بن حوز الساري البحراني أولها