آه لهذه المصيبة القاضيه. وواه لتلك الحبيبة الماضيه. مضت والله الشمس أخت البدر. والمحجة بنت الصدر. والغرة في جبهة الكرم. والقرة لعين الحرم.
مضت عفة الأثواب لم تبق روضة ... غداة ثوت إلا اشتهت إنها قبر
يا مولانا هذه نفثة مصدور. ونبذة من وصف هذه الرزية التي صدعت الصخور. فما ظنك بالمصدور. فياليت شعري كيف حال مولاي بعدها. وقد أفرشته حجرها. وأورثته بموتها أجرها. والله إن المصاب بها لجليل. وإن الحزن عليها لقليل. وأهالها من غريبة في وطنها. وجيدة في قطعنها. ووحيدة في عطنها. صد عنها القريب. وحن عليها الغريب. إلى الله الملجأ من هذه المصيبه. وبرسوله التأسي في فقد هذه الحبيبه. فصبراً يا مولانا على هذه المصيبة صبراً. وجبراً لهذه القلوب المنكسرة جبراً.
ولو كان في الدنيا خلود لواحد ... لكان رسول الله فيها المخلدا
ومن ذا الذي يبقي من الموت سالماً ... وسهم المنايا قد أصاب محمدا
فالله تعالى يلهمنا وإياكم الصبر الجميل. على هذا الرزء الجليل. إنه ولى ذلك وكتبت إليه أيضاً معزياً عن أم ولد له. العلوم الشريفة محيطة بأن هذا الأمر. لا محيد عن القلق له إلا الصبر. فسيدي بحمد الله أولى من تدرع جلبابه. وأعلى من علم إن مآل الخلق إلى هذا المصير الذي لا يسد أحد بابه. وتسهيل الخطب أوضح من أن يذكر. والله تعالى هو الذي يحمد على المكروه ويشكر. فعوضك الله عنها. أفضل ما يكون منها.
فإنك رأس المال ما دمت باقياً ... فعوضت عنها بالمثوبة والأجر
على إنها لم تذهب بحمد الله تعالى إلا وقد كسرت سورة اللهف. بمن أبقته رحمها الله تعالى أكرم خلف.
إذا رضى الإناث الموت قسماً ... فمشكور إذا ترك الفحولا
فالله تعالى يحييك لاقتناء ألف مثلها. ويبقيك بقاء يفترع من المكارم حزنها وسهلها. والسلام
الامام عبد القادر محيي الدين
بن يحيى الطبري الحسني الشافعي المكي
إمام تصدر في محراب العلم والامامه. وهمام تسنم صهوة جموح الفضل فملك زمامه. رفع للعلوم أرفع رايه. وجمع بين الرواية والدرايه. فأصبح وهو كاسر الوسادة. بين الأئمة والساده. يشنف المسامع بفرائد كلامه. ويبهج النواظر بما تدبجه أنامل أقلامه. إذا انفقهت بشقاشق قاله لهاته. ثبت حق إفصاح النطق وبطلت ترهاته. إلى نسب في صميم الشرف عريق. وحسب غصن مجده بالمعالي وريق. وبيت علم ليس منه إلا امام وخطيب. وأديب فنن فضله في رياض الأدب رطيب. والطبريون. سادة من غير الفضل بريون. وهذا الامام واسطة عقدهم. ورابطة عقدهم. ومحيي آثارهم. والآخذ من الدهر بثارهم. صنف وألف. وسبق وما تخلف. وأما الأدب فروضه الممطور. وحوضه الراوية منه الطروس والسطور. وكانت له الهمة العليا. التي تضيق عن أدناها الدنيا. وأنفة نفسه كانت ذهابها. وانتزاع لطيفة روحه من أهلبها. ومن خبره إنه أشابت خطبة الفطر أحد ولديه. وكانت أول خطبة حصلت بها النوبة لديه. فتهيأ للقيام بأدائها. وأرهف عضب لسانه لا بدائها. فمنعه بعض أمرآء الأروام. الواردين إلى مكة المشرفة في تلك الأعوام. ورغب في أن يكون الخطيب حنفي المذهب. وأخاف من تعرض لرد أمره وأرهب. فضاق بالامام لذلك نجده ووهده. وجهد في إزالة هذا المانع فلم يجده جهده. ولما لم يحصل إلا على الياس. ولم يلف لضنا دائه من آس. صعد كرسيه وتنفس الصعدا. ففاضت نفسه لوقته كمدا. وألقى على كرسيه جسدا. ومن العجيب إن قدمت جنازته ذلك اليوم للصلاة عليه. والخطيب يخطب على المنبر ناظراً إليه. وذلك عام ثلاثين وألف وهذا محل اثباب شيء من نثره الفائق. ونظمه الشائق الرائق.