الشيخ محمد بن الشيخ أحمد
حكيم الملك رحمه الله تعالى
فاضل تأزر بالفضل وارتدى. وسلك سبل المكرمات واهتدى. سام في فنون العلم وصرح. وأوضح متون الأدب وشرح. فقوم منه ما آده. وقام بعباه فما آده. وهو من بيت رياسة وجلاله. وقوم لم يرثوا المجد عن كلاله. وكان لسلفه عند ملوك الهند التيموريه محل تستضوع المراتب رياه. وتستسقى المناصب ريه. ولما وفد جده على السادة الملوك من بني حسن. قابلوه مقابلة الجفن المسهد للوسن. فأكرموا لديهم نزله. وقلدوا بأيادي مننهم برله. وولد سبطه هذا بمكة المشرفة فنشأ في حجر الفضل والمجد. وانتشق عرف خزامي تهامة وشميم عرار نجد. فجمع بين تليد المجد وطارفه. ورفل من فضفاض الأدب في أبهى مطارفه. ولم يزل متبوأ تلك الدرا. محمود الايراد والاصدار. مع تمسكه من سلطانها الشريف محسن بالعروة الوثقي التي لا تنفصم. وحلوله لديه بالمكانة التي ما حلها ابن داود لدى المعتصم. حتى حصل على مكة شرفها الله تعالى من الشريف احمد ما حصل. وانحل عقد ولاية الشريف محسن منها وانفصل. فكان الشيخ محمد المذكور ممن أنهب الشريف داره وماله. وقطع من الأمان أمانيه وآماله. فالتجأ مستأمناً إلى بعض الأشراف. فأمنه على نفسه بعد مشاهدته الوقوع على الهلاك والأشراف. فلما قتل الشريف أحمد وتولى بعده الشريف مسعود. رأى الشيخ من الأغراض منه ما تحقق معه انجاز الوعيد لا الوعود. فهاجر إلى الديار الهندية مثقلاً. وهجر تلك المواطن المشرفة لا عن قلي. وذلك في آخر سنة تسع وثلاثين وألف فألقى بالديار الهندية عصاه إلى أن بلغ من أمد العمر أقصاه. فتوفى بها سنة خمسين وألف رحمه الله تعالى. ومن مشهور نثره ونظمه. الذي دل على اشراق بدره في سماء الأدب وعلو نجمه. رسالته التي كتب بها من الهند في سنة سبع وأربعين. إلى القاضي تاج الدين. شاكياً من كربة الغربة بعبارات تصدع معانيها قلوب المخلصين. وألفاظها قلوب الحاسدين وهي قوله
سقى الدمع مغنى الوابلية بالحمى ... سواجم تغنى جانبيه عن المحل
ولا برحت عيني تنوب عن الحيا ... بدمع على تلك المناهل منهل
مغاني الغواني والشبيبة والصبا ... ومأوى الموالي والعشيرة والأهل
سقاها الحيا من أربع وطلول ... حكت دنفي من بعدهم ونحولي
سقى صوت الحيا دمناً ... بجرعاء اللوى درسا
وزاد حلك المأنو ... س دار للهوى أنسا
لئن درست ربوعك فال ... هوى العذري ما درسا
سقى بالصفا للرتع ربعاً به الصفا ... وجاد بأجياد ثرى منه ثروتي
مخيم لذاتي وسوق مآربي ... وقبلة آمالي وموطن صبوتي
إنما المحافظة على الرسوم والآداب. والملاحظة للعوائد المألفة في افتتاح الخطاب. لمن يملك أمره إذا اعتن ذكر زينب والرباب. ولم تحكم عقال عقله يد النوى والاغتراب. وليس لمن كلما لاح بارق ببرق تهمد. فكأنه أخو جنة مما يقوم ويقعد. لتقاذفه أمواج الأحزان. وتترامى به طوامح الهواجس إلى كل مكان. فهو وإن كان فيما ترى العين قاطن بحي من الأحياء يوماً بالعقيق وبالعذيب يوماً ويوماً بالخليصاء. لا يأتلي مقسم العزمات. منفصم عرى العزيمات. لا يقر قراره. ولا يرجى اصطباره. إن روح القلب بذكر المنحنى. أقام الحنين حنايا ضلوعه. أو استروح روح الفرج من ذكر ليالي الخيف ومنى. أو مضت بوارق زفراته تحدو بعارض دموعه شعر
من تمنى مالاً وحسن مآل ... فمناي منى وأقصى مرادي
فياله من قلب يهدأ خفوقه. ولاقني لامعة بروقه. ولا يبرح من شمول شمول الأحزان صبوحه وغبوقه. يساور هموماً فما مساورة ضئيلة من الرقش. ويناجي أحزاناً لولا مس بعضها الصخر الأصم لانهش. ويركب من أخطار الوحشة أهوالاً دونها ركوب النعش. يحن إلى مواضع ايناسه. ويرتاح إلى مواقع غزلان صريمه وكناسه. ويندب أياماً يستثمر الطوب من افنان أغراسه
أيام كنت من اللغوب مراحا ... أيام كنت من اللغوب مراحا
أيام لا الواشي يعدّ ضلالة ... ولهى عليه ولا العذول يؤنب
أيام ليلى تريني الشمس طلعتها ... بعد الغروب بدت في أفق أزرار