وغنت ببيت يلبث الركب عنده ... حيارى بصوت عنده يرقص البر
أراد بالبر خلاف الفاجر
إذا كنت منظوراً فلا زلت هكذا ... وإن كنت مسحوراً فلا برىء السحر
فقلت لها والله يا ابنة مالك ... لما شفنى إلا القطيعة والهجر
رمتني العيون البابليات أسهماً ... فاقصدني منها سهامكم الحمر
فقالت وألقت في الحشا من كلامها ... تأجج نار أنت من ملكنا حر
فوالله ما أنسى وقد بكرت لنا ... بإبريقها تسعى بها القينة والبكر
تدور بكاسات العقار كأنجم ... إذا طلعت من برجها أفل البدر
نداماي نعم والرباب وزينب ... ثلاث شخوص بيننا النظم والنثر
على الناي والعود الرخيم وقهوة ... يذكرها ديناً لأقدامنا العصر
فتقتص من ألبابنا ورؤسنا ... فلم ندر هل ذاك النعاس أم السكر
يريد أن هذه القهوة عصرناها بأقدامنا فاقتصت من رؤوسنا وهو معنى حسن إلا أنه ضعف التركيب غبر في وجهه وهو من قول أبي نواس
عاقرتم معقورة لو سالمت ... شرابها ما سميت بعقار
ذكرت حقاً يدها القديمة إذ غدت ... صرعى تداس بأرجل العصار
ورنت لهم حتى انتشوا وتمكنت ... منهم فصاحت فيهم بالثار
وإنما نبهت على ذلك كله لأن بعض أهل العصر يغالي في استحسانها زاعماً أنها من أعلى طبقات الشعر وليس الأمر كما توهم ولا حاجة بنا إلى اثبات جميعها ومن مديحها قوله
مليك له سر خفي كأنما ... يناجيه بالغيب ابن داود والجفر
فإن كذبوا أعداء زيد فحسبه ... من الشاهد المقبول قصته البكر
ليالي إذ جاء الحصي وأكثروا ... أقاويل عني ضاق ذرعاً بها الصدر
فأيقظه من نومه بعد هجعة ... من الليل بيت زاد فخراً به الشعر
كأن لم يكن أمر وإن كان كائن ... لكان به أمر نفاذ لك الأمر
وفي طي هذا عبرة لأولي النهى ... وذكر لمن كانت له فطنة تعر
يشير بذلك إلى ما وقع للشريف المذكور وهو أن سلطان الروم وجه خادماً خصياً من أعاظم خدامه إلى مكة المشرفة وأمره بالقبض على الشريف وتقييده وأن يأتي به إليه وشاع اخبر بذلك فلما بلغ الشريف قلق واهتم فسمع في بعض الليالي هاتفاً ينشد هذا البيت
كأن لم يكن أمر وإن كان كائن ... لكان به أمر نفاذ لك الأمر
فلم يصل الخادم إلى وادي فاطمة حتى وافى البريد يخبر موت السلطان والأمر بعدم التعرض للشريف بمكروه فعد ذلك من غرائب الوقائع والله أعلم
بدر الدين محمد بن سليمان
أبو فاضل المرهبي اليمني