إلى نحوها حملته نسمة الصبا ... لتكسب وصفا من شذا ذلك الوصف
جال الدين محمد بن عبد الله الطبري أحد أولئك الجله. وواحد تلك البدور والأهلة. الضارب في كل فن بسهم. والقارع صفاة كل قريحة وفهم. ضاع نشر ادبه وما ضاع.. ورضع ثدي الفضل فشب على حب ذلك الرضاع. وله قريض يزرى بقراضة الذهب. ثبت في صفحات الصحايف حسنه وما ذهب. وقفت له على كافية هي في الشهادة بفضله كافيه وقافيه. راحت الباب أولى الآداب لاثرها قافيه. وهي
أسير العيون الدعج ليس له فك ... لان سيوف اللحظ من شأنها الفتك
حذار خليّ القلب من علق الهوى ... فأولها سقم وآخرها سفك
ورح سالماً قبل الغرام ولا تقس ... على فاني هالك فيه لا شك
ألم ترني ودعت يوم فراقهم ... حشاي لعلمي إن ما دونه الهلك
وكيف خلاصي من يدي شادن إذا ... بدا أبيض في الديجور من نوره الحلك
وهيهات أن ترجي لمثلي سلامة ... وقد سل بيض الهند ألحاظه الترك
يقولون ترك الحب أسلم للفتى ... نعم صدقوا لو كان يمكنه الترك
دعوني وذكرى بين بانات لعلع ... غريباً هواهم في المواقف لي نسك
وإن رمتمو ارشاد قلبي فكرروا ... أحاديث عشق طاب في نظمها السبك
أما والخدود العندميات لم أحل ... وكل الذي عنى روى عاذلي أفك
وما بمصون الثغر من ماء كوثر ... وكأس عقيق ختمه حاله المسك
لقد لذلي خلع العذار وطاب في ... هوي الخرّد الغيد الدمي عندي الهتك
تنبيه قد يتوهم إن قوله في البيت الثالث فإني هالك فيه لا شك لحن بناء على أن لا نافية للجنس واسمها في مثل ذلك مبني على الفتح ولا لحن بل فيه وجهان أحدهما منع كونها نافية للجنس بل عاملة عمل ليس والخبر محذوف جوازاً كقول الحماسي
والحرب لا يبقى لجا ... حمها التحيل والمراح
إلا الفتى الصبار في النج ... دات والفرس الوقاح
من صد عن نيرانها ... فأنا ابن قيس لا براح
والثاني أن تكون نافية للجنس إلا أنها ملغاة والرفع بالابتداء ولم يجب تكرارها لجواز تركه في الشعر فاعلم
الفضل بن عبد الله الطبري
خلف ذلك السف. والمعيد من عهد مجدهم ما سلف. الفضل اسمه وسمته. النافحة بارجه نسمته. رفع عماد ذلك البيت. فأقر عين الحي منهم والميت. وهو الآن مفتي الشافعية بالبلد الحرام. والمحفوظ بعين الاجلال والاحترام. يشنف السطور بفرائده. ويفوق الطروس بفوائده. مع إنافته في الأدب بمكانه. شيد من ربعها المشيد أركانه. فاجتلى بها نجوم لياليه. واقتنى منها منظوم لآليه. ولا يحضرني الآن من شعره غير قوله في التفضيل بين مسمعين يعرف أحدهما بركن والآخر بالقصبى
تخالف الناس في ركن فقدمه ... قوم وقوم عليه قدموا القصبى
وقائل الحق والانصاف قال متى ... أسمعهما ألق استاذاً وألق صبي
وقال مؤرخاً السيل الوارد مكة سنة ألف وتسع وثلاثين
سئلت عن سيل أتي ... والبيت منه قد سقط
متى أتي قلت لهم ... مجيئه كان غلط
ولغيره
لله سيل قد أتى ... لطهر بيت مرتضى
من دنس عنه نأي ... تاريخه حل رضا
وكان من خبر هذا السيل إنه لما كان فجر الأربعاء التاسع عشر من شعبان سنة تسع وثلاثين وألف نشأت على مكة وأقطارها شرفها الله تعالى سحابة غربية مدلهمة فلم تزل كذلك إلى وقت الزوال فأرعدت وأبرقت وأتت بمطر كأفواه القرب واستمرت ساعتين ودرجتين ثم أمسكت فأقبل السيل ودخل المسجد الحرام وأعتلي على باب الكعبة ذراعين عمليين وربع فأهلك الأطفال. والنساء والرجال ثم باتت تمطر إلى نصف الليل فلما كان قبل الغروب يوم الخميس العشرين من شعبان سقط من البيت الشريف جانباه الشرقي والشامي فكان الساقط منها قدر نصفها ثم أعقب هذا السيل في أهل مكة من الفناء ما أشبه الوباء المصري والله أعلم