وصبري راحل عما قليل ... لشدة لوعتي ولظى اشتياق
وفرط الوجد أصبح بي خليعاً ... ولما ينو في الدنيا فراقي
وتعبث ناره في الروح حيناً ... فيوشك أن تبلغها التراقي
وأظماني النوى وأراق دمعي ... فلا أروى ولا دمعي يراق
وقيدني على حال شديد ... فما حرز الرقى منه بواق
أبى الله المهيمن أن تراني ... عيون الخلق محلول الوثاق
أبيت مدى الزمان لنار وجدي ... على جمر يزيد به احتراقي
وما عيش لمرء في بحر غمّ ... يضاهي كربه كرب السياق
يود من الزمان صفاء يوم ... يلوذ بظله مما يلاقي
سقتني نائبات الدهر كأساً ... مريراً من أباريق الفراق
ولم يخطر ببالي قبل هذا ... لفرط الجهل إن الدهر ساقي
وفاض الكاس بعد البين حتى ... لعمري قد جرت منه سواقي
فليس لداء ما ألقى دواء ... يؤمك نفعه إلا التلاقي
وقوله
أبهضني حمل النصب ... ونالني فرط التعب
إذ مرّ حالات النوى ... عليّ دهري قد كتب
لا تعجبوا من سقمي ... إن حياتي لعجب
عاندني الدهر فما ... يود لي إلا العطب
وما بقاء المرء في ... بحر هموم وكرب
لله أشكو زمناً ... في طرفي الخير نصب
فلست أغدو طالباً ... إلا ويعييني الطلب
لو كنت أدري علة ... توجب هذا أو سبب
كأنه يحسبني ... في سلك أصحاب الأدب
أخطأت يا دهر فلا ... بلغت في الدنيا أرب
كم تالف العذر ولا ... تخاف سوء المنقلب
غادرتني مطرحاً ... بين الرزايا والنوب
من بعد ما ألبستني ... ثوب عناء ووصب
في غربة صماء إن ... دعوت فيها لم أُجب
وحاكم الوجد على ... جميل صبري قد غلب
ومؤلم الشوق له ... قلبي المعنى قد وجب
ففي فؤادي حرقة ... منها الحشا قد التهب
وكل أحبابي قد ... أودعتهم وسط الترب
فلا يلمني لائم ... إن سال دمعي وانسكب
واليوم نائي أجلي ... من لوعتي قد اقترب
إذ بان عني وطني ... وعيل صبري وانسلب
ولم يدع لي الدهر من ... راحلتي سوى القتب
لم ترض يا دهري بما ... صرفك عني قد نهب
لم يبق عندي فضة ... انفقها ولا ذهب
واسترجع الصفو الذي ... من قبل كان قد ذهب
تبت يداك مثل ما ... تبت يدي أبي لهب
سبط الشيخ زين بن الشيخ محمد
بن الشيخ حسن بن زين الدين الشامي العاملي
زين الأئمة. وفاضل الأمة. وملث غمام الفضل وكاشف الغمة. شرح الله صدره للعلوم شرحاً. وبنى له من رفيع الذكر في الدارين صرحاً. إلى زهد أسس بنيانه على التقوى وصلاح أهل به ربعه فما أقوى. وآداب تحمر خدود الورد من أنفاسها خجلاً. وشيم أوضح بها غوامض مكارم الأخلاق وجلا. رأيته بمكة شرفها الله تعالى والفلاح يشرق محياه. وطيب الأعراق يفوح من نشر رياه. وما طالت مجاورته بها حتى وافاه الأجل. وانتقل من جوار حرم الله إلى جوار الله عز وجل. فتوفي سنة اثنين وستين وألف رحمه الله تعالى وله شعر خلب به العقول وسحر وحسدت رقته أنفاس نسيم السحر فمنه ما كتب إلى الوالد من مكة المشرفة مادحاً له وذلك عام إحدى وستين وألف
شام برقاً لاح بالأبرق وهنا ... فصبا شوقاً إلى الجزع وحنا
وجرى ذكر أثيلات النقا ... فشكى من لاعج الوجد وانا
دنف قد عاقه صرف الدرى ... وخطوب الدهر عما يتمني
شفه الشوق إلى بان اللوى ... فغدا منهمل الدمع معنى