للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لم يهن لي العيش والأيام ضاحكة ... فكيف يهنا وقد أبكت على علل

غالي بنفسي عرفاني بها فلذا ... أصونها عن رخيص الكون مبتذل

وعادة الدر أن يزهى بمنظره ... وليس يعرفه إلا ذوو حيل

ما كنت آمل أن يملى عليّ بذا ... أبناء دهري من الأحداث والعمل

يروم أعرجهم سبقى ومقعدهم ... ولو عدوا فيهم مشياً على مهل

هذا جزاء امرء أقرانه قرنوا ... بقرنهم فتمنى عاجل الأجل

وإن علاني أخو جهل فلا عجب ... إذ قد علا مدة قبلاً أبو جهل

فاصبر لها ما لها عنك الزمان ولا ... نضجر ففي الصبر ما يغني عن الحيل

أدنى عدوك أدنى من تعد لما ... يعدو عليك فعذ بالله واتكل

فإما رجل الدنيا وواحدها ... من وحّد الواحد الأعلى على وجل

وحسن ظنك بالآمال معجزة ... فظن خيراً برب الناس لا الأمل

فاض النفاق وغاض الصدق واتسعت ... مسافة الخلق بين العلم والعمل

وشان جمعك عند الناس فرقهم ... وهل يعادل صوفي بذي جدل

إن كان ينجع شيء في مجازهم ... إلى الحقيقة فالتوفيق للعمل

يا صارفاً عمره من غير فائدة ... أنفقته مسرفاً في اللهو والجذل

فيم ارتكابك متن اللهو عن وله ... وأنت تسأل عن قول وعن عمل

كنز القناعة لا يغنى فكن ملكاً ... بها وانفق فما تحتاج للخول

ترجو البقاء بدار لا بقاء لها ... فهل سمعت بضيف غير مرتحل

والصمت منجاة من يصمت فكن رجلاً ... إذا طلعت على الأسرار ذا وجل

قد رشحوك فلا ترتع مع الهمل ... ورسخوك فلا تربع بلا مهل

ولما نظم هذه القصيدة أرسل بها إلى القاضي تاج الدين وكتب معها أرسلنا إليكم هذه القصيدة التي عارضنا بها لامية العجم بلسان أهل الاشارة. والمسئول النظر والامعان في العبارة. هل يصلح أن ينشر ويشكر. أو يعرض عنه ويستر. فانقده غير محاب. فذلك عندنا من المحاب. ولا ينظر إليه بعين الرضا فإنها كليلة. واصرف له زمناً قليلاً كليلة وطابق بين الأصل والفرع. يظهر ما بين الأب والزرع. والسلام. فأجابه القاضي تاج الدين

اصالة الرأي أضحت وهي قائلة ... صيانتي في فراق الفرق أجدر لي

لا يخفى على مولانا أنه لا يفرق بين الفضلاء وأقوالهم. إلا من كان من أمثالهم. والمخلص ليس له بذلك يدان. ومن ذا يفاضل بين جهبذين طاع كل منهما عصر القوافي ودان. على أن المخلص أراد أن يختبر سبره وسيره وجمع بين القصيدتين فوقع في ساحل الحير حيث جريا في مضمار معرفته كفرسي دهان. وتعارضاً لديه كما يعارض لدى المجتهد البرهان. فكلما أراد أن يحكم لأحديهما قامت الأخرى بحجتها. وأيدت بهجة محاسنها ومحاسن بهجتها. وكلما قالت إحداهما وبضدها تتميز الأشياء. قالت الأخرى هذا بعينه دليلي عند المتصف بلا رياء ولا ارتياء. فعند ذلك استقلت معرفة المخلص قدرها واستقالت. وقالت اصالة الرأي ما قالت. والسلام كمل الفصل الأول من القسم الثاني من سلافة العصر. في محاسن أعيان العصر. ويتلوه الفصل الثاني في محاسن أهل مصر والقاهرة. ونجوم السماء الزاهرة.

؟ أهل مصر والقاهرة

السيد محمد بن موسى

الجوادي الحسني

حسني النسب مصري الدار. علوي الحسب سني المقدار. اعترى بمصر إلى مذهب مالك. وراح وهو لازمة الفضائل مالك. وولى بها نيابة محكمة ابن طولون. وطال بنسبه على قوم بنشبهم يطولون. وله في الأدب منزلة ومكان. رفع بها من البيان محله ومكانه. فهو إذا قال اغترف من بحر. وإذا نظم قلد الجيد والنحر. فمن أزهار رياض أدبه الوريعة. قوله من أبيات في شكل نعل جده الشريفة

مذ شاهدت عيناي شكل نعاله ... خطرت عليّ خواطر بمثاله

فغدوت مشغول الفؤاد مفكراً ... متمنياً أني شراك نعاله

<<  <   >  >>