للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمأمول من فضل تلك البراعة هو الجريان على ما سبق من الاتحاف بآثارها التي تشرح الأفئدة والصدور. وتدبج ديباجة الطروس والسطور. وتذكى نار القريحة بعد خمودها. وتجري أنهار الأفكار غب جمودها. فإن بعد العهد عن مكاتبة مولانا هو السبب في تنميق هذه الألفاظ المنحلة العرى. وطول زمان الفترة هو الموجب لتلفيق هذه الكلمات التي هي كما ترى. بعد أن كان المملوك على ما قيل ينظم من بديع الألفاظ قلائد العقيان. ويزف من عرائس الأفكار ما يقصر عن نيله يد الاكفاء والأقران. لكن المرجو بعد مراسلتكم البهية رجوع تلك الملكة ولو بعد حين. ولا يؤمن مع الترك أن يؤدي الحال إلى الانتظام في سلك الصورة التي طبعت من صلصال أو طين. وليس المخلص في هذا الملتمس كالباحث عن حتفه بظلفه. والجادع ما رن أنفه بكفه. لأنه بان على أن يكون ممن يلقى السلاح عند الكفاح. ويسعى حال المجاوبة في سلوك جادة السداد والصلاح. فإن صادف المحز فمرحباً بالوفاق وإن كان دونه مناط الفرقد. وإن أخطأ الغرض أو فاته الشنب فما هو أول من عاوض الدر بالودع واحكم أن يشبه الشبه بالعسجد. ولقد سرنا خبر وصولكم بالسلامة إليها. وما صادفتم من رخص الاسعار عند الوفود عليها. لا زالت سحائب الخير تحل حيث حلت ركائبكم. ولا برحت نوائب الضير ترحل عن سوح تناخ فيه نجائبكم شعر

تحيا بكم كل أرض تنزلون بها ... كأنكم لبقاع الأرض أمطار

ومنه ما كتبه إلى الشيخ تقي الدين السنجاري وقد طلب منه اعارة الزيج وشرحه شعر

حسبت لصبري والسلو منجماً ... فجاء من الهجران ما ليس يحسب

وساءلت تقويم الهوى عن صبابتي ... فقال لي التقويم صبرك يغلب

اللهم يا من زين السماء الدنيا بزينة الكواكب. وأودع في الأفلاك بحكمته الأنجم الثوابت والشهب الثواقب. نسألك أن تديم مولانا الذي أشرقت شموس علومه. من مقر الفلك التاسع. وبزغت نجوم فهومه فلو تأخر زمان القطب لحام حول شعاعها الساطع. وتم بدر كماله مصوناً عن كلف البدر ونقص الأهله. وامتد محيط فضله الغني عن اقامة البراهين والأدله. فأضحى يقر له بالفضل كل محقق. ويقضي له بالسعد كل منجم. أدامه الله لتحقيق كل عويصة ودقيقه. وأعلى به درجات الفضل وقوم به نهجه وطريقه. ولا زالت فضائله مذكورة بألسنة الأقلام وأفواه المحابر. ولا برحت محامده مسطورة في صدور المحارق وبطون الدفاتر. المعروض بعد اهداء سلام يخجل النيرين عند سطعه واشراقه. وعرض اشتياق يفحم اللسانين عن وصف بزوغ كواكبه من مطالع الود وآفاقه. وصول الكتاب المحوي على أزاهر الرياض وزواهر الأفلاك. المشتمل على ما هو أبهى من جواهر العقود ولآلىء الاسلاك. فحمدنا الله على صحة تلك الذات التي لم تزل تتردد في بروج المعالي. ولم تبرح تحل من منازل الاخلاء القلب ومن سماء العز أوجها العالي. وقوبل بالامتثال ما تضمنه ذلك المثال المثيل. وأرسل كلا الكتابين ومعهما من تعلق الخاطر ما يقصر عن بيانه الاجمال والتفصيل. إلا أن المخلص صار يضرب أخماسه في أسداسه. ويستعمل في أخذ الارتفاع سائر أنواعه وأجناسه. فيرفع الاسطرلاب تارة ويضعه. ويلحظ التقويم مرة ويدعه. ليعلم الخائض مع مولانا في جداول هذا الفن الذي جل عن إقامة البرهان صعوبة دقائقه الخفيه. وأبت مسائله أن تكلم الناس إلا رمزاً سيما من كان كمولانا منزهاً عن علة العجمة معدوداً من أعيان فرسان العربيه. فما أسعف الطالع باهتداء الفكر إلى من له طاقة على أن يدخل معكم من هذا الباب. اللهم إلا أن قيل أعجمي فافعل به ما شئت أو يقتبس بالالهام وليس الثاني بمستنكر فالله يرزق من يشاء بغير حساب. وكتب إلى القاضي شهاب الدين أحمد ابن القاضي حسن وكان قد توجه إلى الديار اليمنيه. ليتوصل منها إلى الأقطار الهنديه. فتعذر عليه ذلك فرجع دون الوصول إلى المقصود ولما وصل إلى جدة كتب إليه هذا الكتاب مهنئاً بالقدوم. وسالكاً في بعض فقره مسلكاً هو لديه معهود ومعلوم.

ربع الحمى مذ حللتم معشب نضر ... بروق أكنافه يزهو بها النظر

لا كان وادي الغضا لا تنزلون به ... ولا الحمى سح في أرجائه المطر

ولا الرياح وإن رقت نسائمها ... إن لم تعد نشركم لاضمها سحر

<<  <   >  >>