ولا خلت مهجتي تشكو رسيس جوى ... وحر قلبي بربا حبكم عطر
ولا رقت عبرتي حتى يكون لمن ... ذاق الهوى وضنا في عبرتي عبر
أحمد من أعاد إلى الآفاق الحرمية شهابها الذي بزغ من أسعد المطالع. بل نيرها الذي له تسجد الأقمار وهي طوالع. بل نحريرها الذي حل بفهمه الثاقب أشكال أشكال التحرير. وبر بذهنه الصائب تسيير الكواكب فوافق تدبيره التقدير. وانتهى بطبعه القويم إلى منتهى العلم ونهاية الادراك. واعتلي بذهنه الغنى عن التقويم على منازل الأنجم ومراتب الأفلاك. لا زال سالكاً مسالك قواعد الارشاد إلى سبل الشرائع. ناهجاً مناهج الاهتداء إلى ما هو منتهى المطلب من جادة الذرائع. بها مفترعاً من صهوة علم الفروع ذروتها الرفيعه. مقتطفاً من سائر الفنون أزهار مسائلها البديعه. وأنهى إلى السمع الكريم. بعد اهداء شرائف التحية والتسليم. إن مولانا لما توجه تلقاء الديار اليمنيه. وزمت رحاله عن هذه الأقطار الحرميه. ألم يوماً يقصر عنه ألم مفارقة الروح للجسد. وصادمت شواهق الأشواق فلقيت ما لم يلقه قبلي أحد. وأزفت حشاشة النفس على الرحيل عند الوقوف مع مولانا في موقف التوديع. وسارت حيث سار ذلك المولى فلم أدر أبداً أي الظاعنين بالتشييع. وأنشد لسان الحال. متمثلاً بقول من قال.
هواي مع الركب اليمانين مصعد ... جنيب وجثماني بمكة موثق
فلما أن جاء البشير يخبر وصولكم الذي هو عند المخلص ألذ من نيل الوصل لدى صريع الغواني. وأشهى إلى الأسماع من رنات الأنغام ونوادر الأغاني. وأجل موقعاً من غفلة الكاشح وفقد الرقي. وأعظم خطراً من تبلج صج الوصال لمتيم أوقعته المواعيد في شك مريب. كاد المحب أن يجعل مهجته صلة لهذه البشرى. وأن يجود بالنفس الناطقه لولا أنه تذكر تمتعها بذلك الجناب فشفعه الذكرى ولله در القائل شعر
لولا تمتع مقلتي بلقائه ... لوهبتها بمبشري بإيابه
على أن الروح في الحقيقة تقفوا أثر المولى الذي به انتعاش النفوس والمهج. وتحل حيث حلت ذاته التي يصير النازح عنها ذا كبد حراء ومقلة من نجيع الدمع في لجج. فلا مجال في هذا المقام لبذل النفوس وخلع الأرواح. فقد قيل الجود من الموجود وليس ها هنا سوى الصور الخالية والأشباح.
لو أن روحي في يدي ووهبتها ... لمبشري بقدومه لم أنصف
وقد كان المخلص استشعر تقشع سحائب الفراق. وترقب تبدل وحشة الهجر بلذة التلاق. وذلك لتجاوز ألم الصد عن غايته وجده. ووصوله إلى القدر الذي كاد ينعكس فيه إلى ضده. ولقد سلكتم من الراي الحسن منهجه القويم. وتمسكتهم في ذلك بالعروة الوثقى والصراط المستقيم. حيث وليتم الوجه شطر المسجد الحرام ورجحتم جهة المقام في سوح هذا المقام. فتحلى جيد تلك الشيم الوفية بحب الوطن الذي هو من الايمان. وتنزه ذلك الجنان الكريم عن الجفوة الكائنة فيمن يستبدل أهلاً بأهل وجيراناً بجيران. وستشكرون سعيكم إلى هذا السوح الذي يمدح قاصده ويحمد وتحمدون السرى إذا انجلى صبح الآمال بعد الرجوع فيتبين لكم أن العود أحمد. ولله در الطغرائي حيث قال شعر
وللنجم من بعد الرجوع استقامة ... وللحظ من بعد الذهاب قفول
يا مولانا هلم إلينا فقد علمت تزايد لواعج الشوق بقرب المزار. وتضاعف آثار الهجر إذا دنت الديار من الديار. فالأولى حسم مادة النزاع بالوصول إلى هذه المشاعر فإن ذلك بالاخلاء ارفق وانسب. وإلى سلوك التوفيق أدنى وأقرب. والسلام ومنه ما كتبه عن لسان الوالد مراجعاً بعض أعاظم أبناء الأشراف عن كتاب يشتمل على أبيات خمرية وأشعار تتضمن البقاء على حفظ الوداد. وسلوك جادة الوفاء في حالتي القرب والبعاد. وذلك في شهر رمضان من سنة اثنتين وأربعين وألف قوله
ما الورد ينضح بالندى أثوابه ... والروض يهتك بالحيا جلبابه
والهائم الممطول فاز بوصله ... والاشيب الموخوط عاد شبابه
والنازح المهجور يقرع ليله ... بيدي حبيبته المليحة بابه
أوفى وأوفر بهجة ومسرة ... منى إذا وافى إليّ كتابه