للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بأي عبارة أصف براعة ذلك الكتاب الذي قد انفرد في بابه. وبأي يراعة أرتجم عن جزالة ذلك الرقيم الذي غدا كهف أهالي الأدب وأربابه. وكيف يجول جواد القلم في هذا الميدان الذي هو بيد المنال. أم كيف يجيد المدره في وصف هذا المدرج الذي هو عديم النظير والمثال. قسماً ببلاغة تلك الكلمات البارعه. وبروضة فصاحتها التي قطوفها داني وثمارها يانعه. لو استنزلت دراري الأفلاك وسبكتها في قوالب المباني. والتقطت لطائف فن البيان ودقائق البديع من علم المعاني. مستعيناً بالموروث من بلاغة الأجوبة الهاشميه. مستعملاً ما هو مقتضى الغرائب من العلوية والفطر الفاطميه. لعجزت عن الجواب الذي يضاهي كتاباً نسجته أنامل سيد الأدباء الأفاضل. وقدوة الأشراف الأماثل. ذي النسب الذي ضربت على قمة الفلك قبابه. والحسب الذي ينبئك عن شأنه الرفيع مقوله وكتابه. المستند على مساند العزة الباذخه. المستولي على مراتب الرفعة الشامخه. المتقدم في ميدان المناضلة والمناظره. البارز في حلبتي المشاجرة والمفاخره. المحتوي على فضائل ذوي الأحساب والأنساب. المنتهي إلى المرتبة التي يقصر عن وصفها الاطناب والاسهاب. سيدنا ومولانا السيد محمد. أدام الله عزه الثابت الموطد. أما بعد فالمنهي أن المخلص مستمسك بالود الذي ما شيبت عروته الوثقى بالانفصام. ومستوثق بالمواثيق التي ما شينت قط بالنقض والانصرام

نحن الأولى بوفاء العهد يعرفنا ... جل العباد وفي الحالات نرعاها

لا نقطع العهد والأسياف تقطعنا ... ولا نحول وكأس الموت نسقاها

وأما الاشتياق إلى تلك الأخلاق الحسنة المرضيه. والشمائل العلوية المحمديه. فدون الوصول إلى غايته يكبو جواد اليراع والبيان. وقبل البلوغ إلى محزه يصدأ مرهف الفكر إذا تصدى للبيان.

إذا رأيتم سنا برق يلوح دجى ... فإنه شعلة من نار أشواقي

ولقد كان المخلص في الغاية القصوى من ألم الهجر والبعاد. ووحشة الأحزان الكامنة في صميم الفؤاد. إلى أن ورد كتابكم الذي إلى رقة ألفاظه ينتسب النسيم. وفي دقة معانيه يتيه قلب المعنى ويهيم. ومن طوقه ترى طوراً حلبة الكميت وأخرى ديوان الصبابه. وعن نهجه لا يعدل من سلك في الهوى مسالك الاجادة والاصابه.

فذكرني شوقاً وما كنت ناسياً ... ولكنه تجديد ذكر على ذكر

والمأمول عدم العدول عن سنن المخاطبة بألسنة الأقلام. فإن ذلك اطفاء نائرة الآلام. وايقاد نبراس مشكاة الافهام. ولا يمنع مولانا من ذلك ما ذكره من عدم توفر الكتب الأدبية لديه. وفقد ما يرجع إليه في هذا الباب أو يعول عليه. فإن مولانا هو المجموع الجامع لفنون الأدب. الفائز بحيازة أساليب كلام العرب. وفي طبعه السليم ما يغنى عن حدائق المنثور وقلائد العقيان. وفي جوهر ذاته ما يكتفي به عما يؤثر من بلاغة قس وسحبان. وما تشبث به مولانا من البداوة التي استدعت خلافة طبائع الاعراب. واستبعث العدول عن جارة الصواب في صنعة الأدب وصناعة الاعراب فشواهد بعد اثرها من مولانا ظاهرة وباديه. ولطافة تلك الذات الكريمة قد طبعت في مرآة قلوب الحاضرة والباديه. هيهات أن تصدر هذه اللطائف الأدبية عمن يكون غذاؤه في الفيافي الأكمؤ والعساقل. لا بل تلك نتائج أفكار من ارتضع ثدي العلوم ونشأ في حجر الأفاضل. هذا ولا يخفى أن المخلص تيسر له الحوض في الأبحر الشعرية على وجه سلم من العوارض والعلل. وأنشد الفكر لما سبح في لجج بحره المديد لحظ أنا الغريق فما خوفي من البلل. فتوفر لنا من ذلك النصيب الكامل والحظ الوافر. وامتازت الأبحر المتشابهة عن بعضها وصار الفرق مثل الصبح ظاهر. والمأمول من كرم الله أن ييسر لنا نيل الفضائل على الوجه الأكمل. وأن يسهل لدينا كل ما أشكل من العلوم وأعضل. وينظمنا في سلك من يرى احيار رسوم السلامة من الأمور المهمه. ويصرفنا مجرد الافتخار بالعظم الرميم مع الافتخام في ظلم الجهالة المدلهمه. لنصير كمن وفق لتشييد ما أسسه الأوائل. وحق له أن يتمثل في هذا المقام بقول القائل.

لسنا وإن أحسابنا كرمت ... يوماً على الأحساب نتكل

نبني كما كانت أوائلنا ... تبني ونفعل مثل ما فعلوا

<<  <   >  >>