وإليكم المعذرة في مقابلة تلك الجواهر بما قد شابه الشبه والودع. وفي معاوضة تلك المقدمات المسلمة بالكلمات التي سقط جميعها عن حيز الاعتبار فليت مما يقال فيه خذ ما صفا ودع.. فقد كتبت بغاية الانفعال والخجل. ونمقت في إبان تسلط سلطان النوم واستيلاء جيوش الكسل. إذ علمتم أن ليالي هذا الشهر الشريف تحكي ليل طب لا يهجع لفراق الحبائب. فلذلك ترى الناس سهارى كأنما عقدوا كل جفن بالحواجب وكان الأولى بالمخلص أن يغلق باب المجاوبة حيث عدم القدرة والطاقه. لكن سولت له نفسه الامارة أن يسلك جادة الخطأ بكتابة هذه البطاقه. وعلى كل حال فلسان العذر عن التقصير قصير فالأنسب أن يكتفى في هذا المقام بهذا البيت شعر
قد أجبنا قول الشريف يقول ... وأثبنا الحصى عن المرجان
ومنه ما كتبه إلى الشيخ أحمد بن محمد علي الجوهري وكل منهما في بلد من ديار الهند.
أأحبابنا إن عفتم السفح منزلاً ... وأخليتم من جانب الجرع موطناً
فقد حزتم دمعي عقيقاً ومهجتي ... غصناً وسكنتم من ضلوعي منحنا
لا زال شهاب سماء الفضائل ساطع السنا باهر الضيا حالاً في بروج المجد والجلال. راقياً غفى منازل السعد محروساً عن الأفول والزوال. مكلوأ عن حوادث الأيام والليال. مصوناً عن الرجعة إلا إلى آفاق الديار الحرميه. موصوفاً بالاستقامة في سائر أفعاله المرضيه. سالكاً من مناهج المعالي سبيلها الأرشد. وأصلاً في مراتب الأعالي الغاية التي يقول عندها لسان الدهر أحمد أحمد. المنهي بعد اهداء سلام سطعت من آفاق الوداد أنواره. وتفتحت في رياض الاتجاد أزهاره.
سلام كنشر الروض لف بمدرج ... يريك بديع الود في اللف والنشر
البقاء على الود القديم. والقيام بالدعاء الصادر عن قلب سليم. وأما الاشتياق إلى تلك الذات الحسنه. ذات الصفات المستحسنه. فيقصر عن تفصيله سلك التحبير والتحرير. وينفصم دون تبيينه عقد التعبير والتقرير
الشوق أعظم أن يحيط بوصفه ... قلم وإن يطوى عليه كتاب
والأحوال جارية عل نهج الاستقامه. ملابسة لملابس الصحة والسلامه. إلا أن النفس اشمأزت من كثرة الحل والترحال. ومرهف العزم قد اتصف بفرط النبوة والكلال. وسئمت الرواحل من التأويب والادلاج. وكلت الصواهل من توالي الالجام والاسراج.
طاب اغترابي حتى حف راحلتي ... ورحلها وقوى العسالة الذبل
وضج من لغب تضوي وعج لما ... ألقى ركابي ولج الركب في عذلي
وليت شعري متى يقع التخلص من نوائب الزمن. وبعد هذه الغيبة الكبرى كيف يكون الرجوع إلى الوطن
يا ليت شعري والأماني كلها ... برق يغرّك أو سراب يلمع
هل تربعن ركائبي في بلدة ... أم هكذا خلقت تخب وتوضع
في كل يوم منزل واحبة ... كالظل يلبث في المقيل ويخلع
ولولا فسحة الأمل. والتعلل بعسي ولعل. لاوشك الدخول في خبر كان. والاندراج في حيز الطرف الآخر من شقي الامكان. مع أن المخلص لم يزل في تقربه ملحوظاً بعين الرضا. محفوفاً باللطف فيما جرى به القضا. مشمولاً بالعناية الربانية في حله وترحاله. مغموراً بما يوجب مزيد الشكر وشكر المزيد في سائر أحواله. مصوناً عن الحالة التي أشار الحريري في أول أبياته التائيه إلى اتصاف القريب بها. مكلوأ عن متاعب السفر ومعاتبه التي يتجسم المسافر عرق القربة بسببها. ولكن هوى كل نفس حيث كان حبيبها. ومن مذهبي حب الحجاز وأهله. والانتظام في سلك ساكني الحرم وحله. نسأل الله تعالى أن يجعلنا وأيامكم ممن استطاع إليه سبيلاً. ويهىء لنا العود إلى تلك المشاعر التي هي خير مستقراً وأحسن مقيلاً. هذا ولا نصدعكم بذكر ما لا يفي الوقت بتفصيله. ولا تشرئب النفس إلى سماع تفريعه وتأصيله. فإن سلوك سبيل الاجمال أجمل. وأصلين إلى أرفع المراتب. والسلام. وصلى الله على سيدنا محمد وآله الأطهار. وصحابته الأخيار. وسلم. ولنقتصر من نثره على هذا القدر. ففيه ما تسرح فيه العين ويشرح به الصدر. وأما نظمه فقد اغتالته يد الشتات. ومني نظامه الباهر بعد حسن النسق بالبتات. ولم أقف منه الأعلى قوله في صدر كتاب
أناخ بسوحي جيش هم وأوجال ... وأضحى قرين القلب من بعد ترحال