وقد قرظ له على هذه القصيدة علماء عصره. واشرعوا يراهم لتأييده ونصره. فجاؤا بالمدح في محله. وساقوا المعروف من أهله إلى أهله. فقال الامام عبد القادر الطبري مقرظاً. وببيان الاطراء مصرحاً لا معرضاً. بسم الله الرحمن الرحيم. إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. الحمد لله الذي توج رياض الأدب بمشجر القريض فطمس بزهره زهرة الفلك الأطلس. وذبح حياض رنده بمتهدل العذب فاحمر من الخجل خد الشقيق واصفر من الوجد وجه الياسمين واسودت من النجل عيون النرجس وفتق كمامه عن نور هزم بنور الفضل خناس ليل الجهل إذا وسوس وعسعس. وأنطق حمامه في غور أخرس بتحديه حواري الكناس وسكن بحركته الجواري الكنس. احمده إن جعل الشعر لسائر الفنون الأدبية اماماً. واشكره إذ صيره رأساً وما سواه سوقاً يسام بها ولا يسامي. وأشهد أن لا إله إلا الله المنعم بحفظ معجزة أحمد عن النسخ إلا في الصحف المطهره. المتفضل بصونها في الصدور فلا يمسها بعد أيدي السفرة إلا الكرام البرره. فسبحانه من حكيم فطر بقدرته الفطر وأمدها بقوة الادراك. وعز شأنه من حكيم عقل العقول إذ نصبها اشراكاً لاقتناص التوحيد عن الاشراك. وأشهد أن سيدنا محمداً رسوله المبعوث بأفصح اللغا. المفحم ببراعة عبارته مصاقع اللسن البلغا. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه. وأهل ملته ومودته وقربه. ما قامت حجة دينه بما عجز عن معارضته بلغاء أرباب الفصاحة. وأذعنوا لما أتى به من عند الله وتنزلوا بعد التعب إلى التسليم لتسليم تلك الراحه. أما بعد فقد وقفت على هذه القصيدة التي هي مدينة العلم وعلى بابها. وهيجاء سلم اكن الصورم عن الاندلاق قرابها. فرأيتها حضيرة قدس تتوالد من غصونها ولدان القريض. وحديقة أنس تقتطف أزهار الأرب الغض من غصون روضها الأريض. دل مخبرها الحسن الأوصاف. على بلاغة منشيها. وشهد مخبرها عند قاضي الانصاف. ببراعة موشيها. فلو تعقل تألق جوهرها الفرد أرباب السبع المعلقات لتعلقوا بالسبعة الأقاليم. أو ذاق حلاوة منثورها المسلسل في الرقاع ابن سكرة لشق مرارة السبعة الأقلام وتجرع صبراً ومآليم. ولعمري إن هذا الشهاب لشاب قد أطفأ بنور قصيدته أنوار قصائد الكهور واخمد. وأيم الله أنه قد أعجز من قبله وأعجز من بعده ولا بدع إذ ظهرت معجزة أحمد. ولله دره من جهبذ أجاد هذا الوزن وأحسن التنقاد. ومرس خرم آناف المعاني فأصبحت ببرة بيانه البديع تنقاد. ومؤدب راض بسوط أدبه صاعب القوافي فذلل منها كل شموس. ومهذب خاض من الشعر بحر الظلمات فصير آفاته مطالع البدور ومغارب الشموس. فيا لله ما أبدع ما أبداه من هذا السحر الحلال. وما أبعد على من سواه ما أسداه من لحمة هذا المشجر الحسن المنوال.
قل لبني الآداب إن تنظموا ... فكذا يكون نظم القريض
أو فاتركوا الفضل لأبنائه ... ولا تخوضوا في الطويل العريض
وكيف لا يسمو شاؤه الرفيع. ولم لا يعلو شأنه البديع. وقد ازدان بصفات من يتحلى عاطل جيد المدح بذكره. وازداد حسناً بنعوت من تتشرف ألسن الأقلام بحمده وشكره.
لم يزنه الثناء يوماً عليه ... بل حلي ذكره يزين الثناء
من له الله مادح في كتاب ... لا يرى ما سواه إلا نتاء
غير أن النبي قوبل بالمد ... ح وجازى وشرع الاتساد
ذا عليّ في الأسم والوصف شمس ... ما رأينا على علاها غطاء
فجدير بأن تنير على الما ... دح حتى بها يرى الأشياء