للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا ولو جعلت انبوبة القلم سادسة خمسي. وأفرغت في بياض الأرقام سواد نفسي. ورمت القيام له بأداء شكره. لا استهدفت لملام التقصير ونكره فأنا أتوسل إلى رب الثواب والجزا. أن يجعل نصيبه من رضوانه أو في الأنصبا والأجزا. وأما خبر ظهوره من الشام وخروجه. وتنقله في البلاد تنقل القمر في بروجه. فإنه هاجر إلى الديار العجمية بعد ابدار هلاله. وانسجام وسمي فضله وانهلاله. فأقام برهة من الدهر. محمود السيرة والسريرة في السر والجهر. عاكفاً على بث العلم ونشره. مؤرجاً الأرجاء بطيبه ونشره. ولما تلت الألسن سور أوصافه واجتلت الأسماع صور أقسامه بالفضل واتصافه. استدعاه أعظم وزراء مولانا السلطان إلى حضرته. وأحله من كنفه في بهجة العيش ونضوته. ثم رغب الوالد في انحيازه إلى جنابه. فاتصل به اتصال المحبوب بعد اجتنابه. فأقبل عليه اقبال الرامق الودود. وأظله بسرادق جاهه الممدود. فانتظم في سلك ندمائه. وطلع عطارداً في سمائه نجوم. حتى قصد الحج فحج. وقضى من مناسكه العج والثج. فأقام بمكة سنتين ثم عاد. فاستقبله ثانياً بالاسعاف. والاسعاد. وكنت قد رأيته حال عوده ببندر المخا. ثم رأيته بحضره الوالد وبينهما من المودة ما يربى على الاخا. فأمرنا بالاشتغال عليه. والاكتساب مما لديه. فقرأت عليه الفقه والنحو والبيان والحساب وتخرجت عليه في النظم والنثر وفنون الآداب. وما زال يشنف أذاني بفوائده. ويملا أرداني بفوائده. حتى حسدنا عليه الدهر الحسود وجرى على سحيته في تبديل الأيام البيض بالليالي السود. فقضى الله علينا بفراقه. لأمور أوجبت نكس الأمل بعد افراقه وهو اليوم. يتحلى بفضل تشد إليه الرحال. ويتجلى بأدب يروي به الامحال. وينيف برتبة يقصر عنها كل متطاول.

وترجع أيدي الناس دون منالها ... وأين الثريا من يد المتناول

هذا وحين أثبت من نظمه الذي تتعلق به البلاغة وتتمسك. ويتضوع به كافور الطروس ويتمسك. وتحسد حسن انتشاقه الثغور. وتغار له نجوم السماء فتغور. فمنه قوله في الغزل.

أنت يا شغل المحب الواجد ... قبلة الداعي ووجه القاصد

فتّ آرام الفلا حسناً فما ... قابلت إلا بطرف جامد

شان قلبينا إذا صح الهوى ... يا حياتي شان قلب واحد

أكثر الواشون فينا قولهم ... ما علينا من مقال الحاسد

لست أصغي لأراجيف العدى ... من يغالي في المتاع الكاسد

وقال أيضاً

رب ساق غمزته فتغابى ... ثم أومي بناظر لا يطاق

قال لي والخمار يرعد كفيه ... وروحي على يديه تراق

أنت لا شك هالك بجفوني ... قلت زدني فإنها درياق

فانتضبى الكاس من يدي وأهوى ... نحو فيه بالكاس وهي دهاق

قال لي هاكها شراباً طهوراً ... خلصتها من خبثها الارياق

وقال

أحيى هواه وهواه قاتلي ... ما أربح الشامي لو أودى به

وحشى قلب ضل عند ريمة ... فظل يغلي البيد في طلابه

عجلان ما أضنى عليه قلبه ... لو أنه في كفه دحى به

وقال

قف بالمنازل حيث أوقفك الهوى ... وكل البكاء إلى الحمام العنيف

إني غسلت من العيون أناملي ... ونفضت من أثر البكاء كفوفي

وقفت بي والجناء بين طلولهم ... لولا مكان الريب طال وقوفي

ارتاد في عرصاتهن كأنني ... طيف ألمّ بناظر مطروف

فصممت حتى لا يجبن مسائلي ... وعمين حتى لا يرين عكوفي

وقال

لا يتهمني العاذلون على البكا ... كم عبرة موهتها ببناني

يا من يفندني على ابنة وائل ... عني إليك فغير شانك شاني

آليت لافتق العذول مسامعي ... يوماً ولا خاط الكرى أجفاني

قالت عثيمة قد كبرت عن الصبي ... ما للكبير وصبوة الشبان

ما الشيب إلا كالقذاة لناظري ... فقليله وكثيره سيان

أخيال عتمة أنت الطف بالحشا ... منها واعلق في صميم جناني

<<  <   >  >>