إذا لحظت زادت نواظرنا ضيا ... وإن أنشدت فاحت مجالسنا عطرا
تنازعها قلبي ملياً وناظري ... فأعطيت كلاً من محاسنها شطراً
فنزّهت طرفي في موشى رياضها ... والقطت فكري بين ألفاظها درّا
تضاحكنا فيها المعاني فكلما ... تأملت فيها لفظة خلتها ثغرا
فمن ثيبٍ لم تفترع غير خلسة ... وبكرٍ من الألفاظ قد زوجت بكرا
وإذا كان لكل زمان رجال. ولكل حلبة مضمار ومجال. فغير بدع أن برزت الأواخر بالبديع الفاخر. وازجت فلكها المفاخر. في بحر الفضل الزاخر. شعر
قل لمن لا يرى المعاصر شيّا ... ويرى للأوائل التقديما
إن ذاك القديم كان حديثاً ... وسيبقى هذا الحديث قديما
على أن تأخر الزمان. لا ينافي التقدم في الإحسان. فقد يتأخر الهاطل عن الرعد. والنائل عن الوعد. ومراتب الاعداد، تترقى بتأخير رقمتها وتزداد. شعر
تأخر عصراً فاستزاد من العليا ... كما زاد بالتأخير ما يرقم الهند
وهذا أمر مفرغ من بيان حجته. وتمهيد محجته. وكثيراً ما عن لي أن أجمع ديواناً يشتمل على محاسن أهل العصر. اسلك فيه سبيل يتيمة الدهر ودمية القصر. وغيرهما من الكتب المقصورة على هذا الغرض. المقرطسة سهامها المفوقة لشواكل الغرض. فكان يصدني عن ذلك ما منيت به من حوادث دهر تستفرغ صبر الجليد. وصروف أيام تشيب بوقائعها رأس الوليد. ومقاساتي لمحن البين والاغتراب. وفراق الوطن والأهل والأتراب. إلى غير ذلك من لوائح انكاد وحرق. وخطوب لو شرحها لسان القلم لالتهب بنارها واحترق. شعر
وصفي لحالي محال أن أسطرهُ ... وكيف يمكن وضع النار في الورق
لا سيما مع التخلي عن كل صاحب وأنيس. والتحلي بهموم كأن الدهر قصد بالجمع بينها وبين همي التجنيس. والزامي داراً اضيق من سم الخياط. يكاد ينقطع للدخول فيها من القلب النياط. ولا جليس ولا أنيس إلا كتاب أو صحيفه. آنس فيهما إلى فنون البحث وقد عدمت تصحيفه. وذلك من سنة ثلاث وسبعين إلى آخر سنة إحدى وثمانين. وهي السنة التي شرعت في آخرها في تأليف هذا الديوان. والله أعلم بما يعقبه الدهر بعد هذا الأوان. وإلى الآن لم يبد لهذه الأزمة فرج. ولا أذن صباح ليلها المدلهم بالبلج. ولله در الصلاح الصفدي حيث قال في مثل هذه الحال
لزمت بيتي مثل ما قيل لي ... ولم أعاند حادث الدهر
وليس لي درع يردّ الردى ... استغفر الله سوى صبري
علماً بأن البؤس رهن الرخا ... وغاية العسر إلى اليسر
وقد يسلّ السيف من غمده ... ويخرج الدرّ من البحر
وتبرز الصهباء من دنها ... ويرجع النور إلى البدر
فهذه نبذة من حقيقة أحوالي التي تمضي في هذه البلاد. وصفة أيام التي تنقضي وما لحسراتي فيها انقضاء ولا نفاد. ثم لم أزل أقدم رجلاً وأؤخر أخرى. واسوف في الأسر من يوم إلى يوم والتسويف بمثلي أحرى إلى أن أهدي إلي من مكة المشرفة. لا زالت بأقراط السرور مشنفة. كتاب ريحانة الألبا. وزهرة الحياة الدنيا. تأليف العلامة التحرير. ومالك أزمة التحقيق والتحرير. شهاب الدين أحمد الخفاجي. وهو الشهاب الذي أضاء نور فضله في هذا الزمن الداجي. فرأيته قد قصد الغرض الذي كنت قصدته. ونحا ذلك المنهج الذي كنت أردته وما وردته. من جمع محاسن أهل العصر وأخبارهم وتقييد شوارد منشاآتهم وأشعارهم. فأجاد فيما ألف. وتكفل بالمقصود وما تكلف. فلله كتابه من ريحانة تنفست في ليلها البارد. وعطرت معاطس الأسماع بطيب نشرها الوارد. حتى خاطبها كل كلف بالأدب راح لعرفها منتشقاً.
حيا بك الله عاشقيك فقد ... أصبحت ريحانة لمن عشقا
وكنت كتبت على ظهر نسخة منها مضمناً
دعت ريحانة الأدباء لبى ... فلبى وهو ممتثل مطيع
فقال وقد أجاب بغير ريث ... أمن ريحانة الداعي السميع