شاعر فصيح. مجاله في الأدب فسيح. يسحر ببيانه العقول. ويبهر الألباب بما يقول. إن نظم فالدر الثمين كأسد. وزهر النجوم له حواسد. سار شعره مسير الشعرتين. وجلا عن قلوب أولي الأدب كل رين. ولم يزل معدوداً من أرباب الصدور. مسفرة محاسن فضله أسفار البدور. حتى أفسدت السوداء عقله. وأوجبت من مناصب العقلاء عزله. فأصبح في عقال الجنون. إلى أن فاجأه رائد المنون. وكان أول ما ظهر من خباله. وفساد عقله وباله. أن ادعى مزيناً فحلق لحيته. وغير صورته وحليته. ثم جمع شعره في منديل. وبدل هيئته أقبح تبديل. وقصد القاضي شاكياً شانه من أخيه. زاعماً أنه الذي شوه وجهه ذلك التشويه. فدعى القاضي أخاه. وتحرى جلية الأمر وتوخاه. فأنكر أن يكون رأى هذه الشناعة. أو علم بها إلا في تلك الساعه. وظهرت منه حركات دلت على فساد ذهنه. واختلال عقله ووهنه. فعلموا بحاله. وتزوير محاله ثم تفاقم داؤه وطوحت به سوداؤه حتى قيدت قدماه وانقطع عنه أصحابه وندماه أخبرني الشيخ حسن الشامي أن الشيخ العلامة محمد الحرفوشي مر عليه يوماً هو وصاحب له فوقفا بحاله وسألاه عن حاله فشكا إليهما الوحشة والانفراد وخيبة الأمل والياس من المراد وطلب منهما أن يجلسا بقربه وينفسا من خناق كربه فتقدم ذلك الرجل إليه وجلس بين يديه فتشبث به وطرحه وضربه حتى برحه ولم يفلت منه إلا بعد حين وكاد حينه أن يحين ثم التفت إلى الشيخ محمد الحرفوشي فقال له أنت شيخنا المبجل الأغر المحجل على عهد الله أن لا أفعل بك ما فعلت بصاحبك فادن مني وأزل دهشة الوحشة عني فمال عنه وانحرف وضحك من قوله وانصرف واستدعى يوماً بنورة ليطلى بها فطلى جميع بدنه حتى لحيته وشاربيه واشفار عينيه وحاجبيه فلما أنكروا عليه فعله. قال أردت أن أزبل الشعور جمله. وله في جنونه أفانين عد بها من عقلاء المجانين وهذا حين أثبت من شعره ما تستحليه وتقلد به جيد الدهر وتحليه فمن قوله مادحاً أبا السرور البكري
ألا طرقتنا قبل منبلج الفجر ... معطرة الأردان طيبة النشر
وحيت فاحيت من حشا مدنف قضى ... وما خلتها تقضى على الموت والنشر
وجادت بما ضن الزمان بمثله ... وفاءً بلا مطل ووصلاً بلا هجر
وجاءت كما شاء المنى في مطارف ... من الحسن أدناها أدق من السحر
ولاحت من العذر العلي في دياجر ... فأشرق بدر التم في غسق الفجر
وماست قضيباً فوق دعص فاتلعت ... من الغيد ريماً لا من الشدن العفر
فبادرتها والقلب جم سروره ... وقل أن يوفي حين وافته بالنذر
وقلت لها اسعي وقلت ألا اسلمي ... وأيقظت اقريها الهوادج بالنحر
وعاطيتها صفراء بكراً كأنها ... إذا جليت في كاسها الشمس في البدر
وجاذبتها أطراف عتب كأنه ... نسيم الصبا غب الملث من القطر
ومازجتها ضما فرحنا كأننا ... خليطان من ماء الغمامة والخمر
ونازعتها ذيل العفاف ولم أخل ... خليلين مثلينا استقالا من الوزر
إلى أن نضا كف الصباح حسامه ... وأسفر داجي الأفق عن فلق الفجر
فقامت تهادي تنفض البرد تنثني ... مرنحة الأعطاف ناحلة الخصر
وهمت بتوديعي فسالت مدامعي ... وسار فؤادي خلفها حيث لا تدري
فيا ليلة ما كان أزهر متنها ... لقد أذكرتني موهناً ليلة القدر
وبارورة لم أنس لا أنس أنسها ... عدى عودة أم أنت لي بيضة العقر
ووالله ما سببت إلا علالة ... وفي عمره من غير بحر الهوى فكري
وفي همتي والله يعلم شاغل ... عن الغادة العذراء والأغيد العذري
ارتع في روض الحسان وانثني ... عن الذروة الشماء يعلو بها قدري
أحدث نفسي بالمعالي وأبتغي ... رفيقاً رفيقاً بي معيناً على أمري
وما الناس إلا الشوك عند اختبارهم ... على أنهم في منظر العين كالزهر