خاتمة مغلقي الشعراء باليمن. ونابغة العصر وباقعة الزمن. ينتهي نسبه إلى كنده وهو نسب تقف الفصاحة قديماً وحديثاً عنده وكان كاتب الانشا للسلطان عمر بن بدر ملك الشحر وشاعره الذي ينفث في عقود مدائحه سحر البيان وبيان السحر وله ترسل وانشاء تصرف في اعجازهما كيف شاء وديوان شعره مشهور تتلو محاسنه السن الأيام والشهور وقد وقفت عليه وصرفت عنان النظر إليه. فاستصغيت منه ما اصطفيت وأوردت منه ما أردت ولم يزل كاتباً للسلطان المذكور في عهده ثم لولده عبد الله بن عمر من بعده حتى انقضى أجله وعمره وخوفي من أفق الحياة قمره فتوفى بالشحر عام خمس وعشرين وألف وكان قد عمر طويلاً ولبس من العيش ثوباً جميلاً وهذا حين أتيت ما اخترته من ديوانه والتقطته من فرائده وعقيانه فمنه قوله منه قصيدة أولها
رعيا لأيام تقضت بالحما ... فزنا بها ووشاتنا غفلاء
جاد الزمان بها وأسعفنا بمن ... تهوى ولم تشعر بنا الرقباء
ومنادمي بدر على غصن على ... حقف له قلبي العميد خباء
عذب المقبل عاطر الأنفاس در ... باق النفوس شفاهه اللعساء
متبسم عن أشنب شيم له ... مهما تبسم في الدجى لالاء
ما مسك دارين بأطيب نكهته ... منه وقد ضاعت له رياء
عبر النسيم يجر فضل بروده ... فحبته من كافورها الانداء
فتعطرت من طيب فائح نشره ... أرواحنا وسرت لنا السراء
فسقى الاله مراتع الغزلان من ... وادي النقاء وهمت الأنواء
وتهللت برياضها سحب الحيا ... وسرت عليها ديمة وطفاء
حتى يراها أبهج روضة ... فيروقه الاصباح والامساء
والطير عاكفة بكل حديقة ... فكأنها بلحونها قراء
والروض مبتهج الحياء فكأنه ... وافاه من عمر الندى ايماء
وقوله في صدر أخرى
هذي المرابع والكثيب الأوعس ... وظبا الخيام الانسات الكنس
قف بي عليها ساعة فلعل أن ... يبدو لي الخشف الأغن الألعس
فلطالما عفت الكرى عن ناظري ... شوقاً إليه ومدمعي يلتجس
ينهل سحاً مثل منهمر الحيا ... فوق المحاجر مطلقاً لا يحبس
واغن ناعم طرفه سلب الكرى ... عني فطرفي ساهر لا ينعس
اشتاقه ما لاح صبح مسفر ... في أفقه أو جن ليل حندس
منها
يا عاذلي دعني وشأني إن لي ... قلباً بغير الحب لا يستأنس
لك قدرة أن لا تلوم وليس لي ... صبر به دون الهوى اتلبس
كيف السلو عن الأحبة بعدما ... دارت على من الصبابة أكؤس
نقل الصبا نشر الحبيب وحبذا ... نشر به ريح الصبا تتنفس
آها ولا يجدي التأوّه والأسى ... فالصبر أجمل والتجمل أكيس
وقال أيضاً
جاد الغمام مواقع الغزلان ... ومرابع الرشاء الأغن الغاني
وسرى عليها كل أسحم هاطل ... غدق سبح بوابل هتان
يحيى ربوعاً طالما لعبت بها ... الغيد الحسان نواعس الأجفان
من كل فاترة اللحاظ إذا رنت ... سلبت سحر اللحظ كل جنان
فكأنها الأقمار تطلع في دجى ... ليل من المسترسل الفينان
وكأنما تلك القدود إذا انثنت ... قضب تمايل في ربى الكثبان
وبمهجتي خشف أغن مهفهف ... أصمى فؤادي إذ رنا فرماني
ظبي من الأعراب في وجناته ... قوت القلوب وسلوة الأحزان
بالله ما طالعت طلعة وجهه ... إلا ورحت براحة النشوان
ماء الشبيبة فوق ورد خدوده ... يجري على متلهب النيران
ذابت عليه حشاشتي وجدا به ... وصبابة وجفا الكرى أجفاني
لم أنس أيام التواصل واللقا ... والشمل مجتمع بوادي البان
ومنادمي من قد هويت وبيننا ... الصرف الكميت تدار في الأدنان