فاعترض معترض عالم بالاصدار والايراد. قائلاً إن البيت الثاني لا يؤدي المعنى المراد. إذ القصد تشبيهه بالغصن الموصوف. وليس المراد تشبيهه بالبدر إذ البدر لا يوصف إلا بالخسوف. فطالت بين المعترض والمعترض عليه المنازعه. ولم يسلم كل منهما للثاني ما جاد له فيه ونازعه. فاختارا القاضي الفاضل حكماً. وراضياً سيدنا حاكماً ومحكماً. فليحكم بما هو شأنه وشيمته من الحق. وليتأمل ما عسى أن يكون قد خفى عن نظرهما ودق. والاقدام مقبله. وصلي الله على سيدنا محمد وآله ما هبت المرسله فأجابه القاضي بما هو صورته. سيدنا الهمام الذي أضحى علم الأئمة الأعلام. الامام المقتدي به وإنما جعل الأمام الحبر الذي قصرت عن استيفاء فضائله الأرقام.
ولو إن ما في الأرض من شجرة أقلام. وارث الجلالة عن آبائه الذين زهت بذكرهم الأخبار والسير. لتقيم من نفسه العصاميه على ذلك أوضح دلالة يصدق فيها الخبر الخبر. بما استشهد به في شأن المملوك. السالك من الكمال طريقة عز على غيره فيها لعزتها السلوك. مالك أزمة المنطوق والمفهوم. ملك أئمة المنثور والمنظوم. الفاضل الذي هو مرجع الفضلاء في التحقيق. الفاصل بين الأدلة إذا أعوز الترجيح والتوفيق. جامع شمل العلوم العقلية والنقلية. مقتطف ثمرات الفرعية من الأصليه. يقبل المملوك الأرض بين يديه. ويؤدي بذلك ما هو الواجب عليه. وينهى وصول المثال العالي. الفائقة جواهر كلماته على فرائد اللآلي. يتضمن السؤال عن بيتي ذلك الجهبذ. في الشادن الذي قضى حسنه أن تسلب الأرواح ويؤخذ. ومنع حبه الكلام الألسن. وكان الدليل على ذلك اعتراف ابن أحسن. فإنه ذو النظر العالي المدرك حقيقة الكنه. فإذا تنور من أذرعات أدني ما تنوره إلي قيد شبر منه. فتأمل المملوك ما وقع من تلك المعارضة. التي أفضت إلي التحكيم والمفاوضه. فإذا المتعارضان قد مزجا في حلو فكاهتهما شدة الباس في البحث برقة الغزل. وأخرجا الكلام لبلاغتهما على مقتضى حال من جد وهزل. وجرياً إلي غاية حققا عند كل سابق إنه المسبوق. وأريا غبارهما لمن أراد اللحوق.
وكان الأحرى بالمملوك ستر عوار نفسه. وحبس عنان قلمه أن يجري في عنان طرسه. لكن لما كان ترك الجواب من الأمر المحظور. لم يلتفت إلي ما يترتب على الجواب من المحذور. فقال حيث كان الأمر على ما أسنده مولانا عن الناظم وروى. من إنه قصد التشبيه في حال بقايا أثر السقام بغصن ذوي. فعدل إلى سبكه في قالب صياغته. وسلكه في سلك بلاغته. فلا شك إنه أتي بما لا يدل علي المراد دلالة أولية ظاهرة. وكان كمن شبه الأغصان أمام البدر ببنت مليك خلف شباكها ناظرة. وحينئذ فاطلاق القول بان البيت الثاني لا يدل على ما أريد. ربما تمسك الخصم بعدم ثبون الحكم بأنه اطلاق في محل التقييد. كما ان للمعترض أن يتمسك في ذلك بانتفاء الدلالة الأولية فيكون المحكوم به هو التعارض في القضية. وهذا أجدى ما رآه المملوك في فصل الخطاب وأحرى ما تحري فيه إنه الصواب.
مع اتهامه نفسه بعدم مطابقة الواقع في الفهم. لعلمه بدقة نظر مولانا إذا قرطس أغراض المعاني من فهمه بسهم. وتجويزه علي نفسه العجز عن الوصول إلى فهم مولانا ومدركه. واعترافه بأنه لا يجاري في نقد الشعر لأنه فارس معركة. انتهى. قوله في أثناء الجواب كان كمن شبه الأغصان أمام البدر ببنت مليك خلف شباكها ناظره يشير به إلى الصلاح الصفدي حيث قال
كأنما الأغصان لما انثنت ... أمام بدر التم في غيهبه
بنت مليك خلف شباكها ... تفرجت منه على موكبه
وقال في ذلك أيضاً.
كأنما الأغصان في روضها ... والبدر في أثنائها يسفر
بنت مليك سار في موكب ... قامت إلى شباكها تنظر
قال النواجي لا يخفى ما في هذين المقطوعين من ضعف التركيب وكثرة الحشو وقلب المعنى وذلك إنه جعل الأغصان مبتدا واخبر عنه ببنت المليك وهو فاسد وإن كان قصده تشبيه المجموع بالمجموع إلا أن الأعراب لم يساعده على إنه لم يخترع هذا المعني بل سبقه إليه القاضي محيي الدين بن قرناص فقال
وحديقة غناء ينتظم الندى ... بفروعها كالدر في الأسلاك
والبدر من خلل الغصون كأنه ... وجه المليح يطل من شباك