للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال أبو عبد الله رضي الله عنه: أصاب أبو عبيدة، لِأَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: يَا عَجَبًا لِهَذَا الْأَمْرِ وَيَا عَجَبِي، وَيَا حَسْرَتَا وَيَا حَسْرَتِي، كُلُّ ذَلِكَ صَوَابٌ، غَيْرَ أَنَّ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيَّ يُمِيلَانِ «يَا بُشْرَى» الرَّاءَ وَالْيَاءَ، وَإِنَّمَا الْمُمَالُ فِي الْحَقِيقَةِ الْأَلِفُ فَقَطْ‍، وَإِنَّمَا أَشَرْتُ إِلَى الرَّاءِ بِالْكَسْرَةِ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ مَا قَبْلَ الْأَلِفِ مُمَالٌ فَقَدْ غَلِطَ‍.

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: «يَا بُشْرَايَ» فَأَضَافُوا إِلَى النَّفْسِ، وَفُتِحَتِ الْيَاءُ عَلَى أَصْلِهَا لِئَلَّا يَلْتَقِيَ سَاكِنَانِ.

وَقَرَأَ نَافِعٌ فِي رِوَايَةِ وَرْشٍ «يَا بُشْرَايْ» وَ «مَثْوَايْ» وَ «مَحْيَايْ» سَوَاكِنُ، وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ سَاكِنَيْنِ، لِأَنَّ السَّاكِنَ الْأَوَّلَ أَلِفٌ، وَهُوَ حَرْفُ لِينٍ.

وَفِيهَا قِرَاءَةٌ ثَالِثَةٌ، قَرَأَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ فِيمَا حَدَّثَنِي ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنِ السِّمَّرِيِّ، عَنِ الْفَرَّاءِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى «يَا بُشْرَيَّ هَذَا غُلَامٌ» قَلَبَ الْأَلِفَ يَاءً وَأَدْغَمَ الْيَاءَ في الياء والتشديد من أجل ذَلِكَ، قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:

تَرَكُوا هَوَيَّ وَأَعْنَقُوا لِسَبِيلِهِمْ ... فَتُخُرِّمُوا وَلِكُلِّ جَنْبٍ مَصْرَعُ

وَهَذِهِ اللُّغَةُ كثيرة في طيئ، وَهِيَ لُغَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ:

«فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَيَّ.»

- وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {هَيْتَ لَكَ}.

قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ «هَيْتُ لَكَ» بِضَمِّ التَّاءِ.

وَقَرَأَ نَافِعٌ «هِيتَ لَكَ» بِكَسْرِ الْهَاءِ، وَابْنُ عَامِرٍ مِثْلُهُ إِلَّا أَنَّ ابْنَ عَامِرٍ يَهْمِزُ بِرِوَايَةِ هِشَامٍ، وَأَمَّا هِشَامٌ فَإِنَّهُ قَرَأَ بِضَمِّ التَّاءِ وَالْخِلَافُ مِثْلُهُ.

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ «هَيْتَ» وَهِيَ اللُّغَةُ الْفُصْحَى.

وَمَعْنَى «هَيْتَ لَكَ» هَلُمَّ لَكَ فَ‍ «هَيْتَ» وَ «هَلُمَّ» وَ «ادْنُهْ» بِمَعْنًى، قَالَ أَعْرَابِيٌّ يُخَاطِبُ عَلِيَّ بْنَ أبي طالب رضي الله عنه:

أبلغ أمير المؤمنين أخ‍ ... ‍االعراق إِذَا أَتَيْتَا

أَنَّ الْحِجَازَ وَأَهْلَهُ عُنُقٌ ... إِلَيْكَ فَهَيْتَ هَيْتَا

وَإِنَّمَا صَارَ الْفَتْحُ أَجْوَدَ، لِأَنَّ السَّاكِنَ الْأَوَّلَ يَاءٌ كَقَوْلِكَ «كَيْفَ» وَ «أَيْنَ» وَ «لَيْتَ»، وَلَا يُقَالُ: «كَيْفِ» وَ «أَيْنِ» وَ «لَيْتِ»، وَلَوْ قِيلَ لَجَازَ، لِأَنَّ الْعَرَبَ تَكْسِرُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَتَفْتَحُ وَتَضُمُّ فَالْفَتْحُ نَحْوَ «أين»، «حَيْثَ» حَكَاهُمَا الْخَلِيلُ

<<  <   >  >>