للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مُحَاشَاةً فَهُوَ مُحَاشٍ: إِذَا اسْتُثْنِىَ كَقَوْلِكَ: جَاءَنِي الْقَوْمُ حَاشَى زَيْدٍ، قَالَ النَّابِغَةُ:

وَمَا أُحَاشِي مِنَ الْأَقْوَامِ مِنْ أَحَدٍ

وَقَالَ الْحُذَّاقُ مِنَ النَّحْوِيِّينَ: جَاءَنِي الْقَوْمُ حَاشَ زَيْدًا، أَيْ: نَحَّيْتُ زيدا عنه، كما تقول: أنا في حشى فلان، وذرى فُلَانٍ، وَفِي ظِلِّ فُلَانٍ، أَيْ: فِي نَاحِيَتِهِ.

وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: «وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ». مَعْنَاهُ: مَعَاذَ اللَّهِ، وَفِيهِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ: حَاشَى زَيْدٍ، وَحَاشَ زَيْدٍ، وَحَاشَ لِزَيْدٍ، وَحَشَى لِزَيْدٍ، لُغَةٌ خَامِسَةٌ.

- قوله تَعَالَى: {سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا}.

رَوَى حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ «دَأَبًا» بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ.

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ «دَأْبًا» سَاكِنَةً، وَهُمَا لُغَتَانِ: الدَّأْبُ وَالدَّأَبُ مِثْلَ النَّهْرِ وَالنَّهَرِ وَالسَّمْعِ وَالسَّمَعِ «وَيَوْمَ ظَعْنِكُمْ» وَ «ظَعَنِكُمْ» وَكُلُّ اسْمٍ كَانَ ثَانِيهِ حَرْفًا مِنْ حُرُوفِ الْحَلْقِ جَازَ حَرَكَتُهُ وَإِسْكَانُهُ، وَقَدْ شَرَحْتُ ذَلِكَ فِي الْأَنْعَامِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنَ الْمَعِزِ اثْنَيْنِ}. وَالدَّأْبُ فِي الشَّيْءِ: الْمُلَازَمَةُ وَالْعَادَةُ يُقَالُ: مَا زَالَ ذَلِكَ دَأْبُهُ وَدَيْدَنُهُ وَدَيْنُهُ وَعَادَتُهُ وَاهَجِيرَاهُ وَهِجِّيرَاهُ وَأَجْرَيَاهُ وَأَجْرِيَاؤُهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَالِاخْتِيَارُ: الِإسْكَانُ، لِأَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى إِسْكَانِ الْهَمْزَةِ فِي قَوْلِهِ: «كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ» وَهَذَا مِثْلُهُ.

وَقَالَ آخَرُونَ: الدَّأْبُ: الِاسْمُ، وَالدَّأَبُ: الْمَصْدَرُ، قَالَ الْكُمَيْتُ:

هَلْ تُبَلِّغُنِيكُمُ الْمُذَكِّرَةُ ال‍ ... وَجْنَاءُ وَالسَّيْرُ مني الدأب

وفيها قراءة ثالثة: كان أبو عمرو إِذَا أَدْرَجَ الْقِرَاءَةَ لَمْ يَهْمِزْ «سَبْعَ سِنِينَ دَأْبًا.»

قَدْ ذَكَرْتُ عِلَّةَ ذَلِكَ فِيمَا سَلَفَ مِنَ الْكِتَابِ.

- وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فِيهِ يَعْصِرُونَ}.

قَرَأَ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ: «تَعْصِرُونَ» بِالتَّاءِ.

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ.

وَفِيهَا قِرَاءَةٌ ثَالِثَةٌ قَرَأَ عِيسَى الْأَعْرَجُ: «وَفِيهِ يُعْصَرُونَ» أَيْ: يُمْطَرُونَ مِنْ قَوْلِهِ:

{وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا}.

فَمَنْ قَرَأَ بِالْيَاءِ فَمَعْنَاهُ: يَعْصِرُونَ بَعْدَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً الزَّيْتَ وَالْعِنَبَ.

ومن قرأ بالتاء فمعناه: يلجئون إِلَى الْعَصْرِ وَهُوَ الْمَلْجَأُ وَالْمَوْئِلُ وَالْوَزَرُ، وَيَنْجُونَ مِنَ النَّجَاةِ، قَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ.

<<  <   >  >>