وَقَرَأَ نَافِعٌ وَحْدَهُ «مُفْرِطُونَ» بِكَسْرِ الرَّاءِ كَأَنَّهُ جَعَلَ الْفِعْلَ لَهُمْ، أَيْ أَفْرَطُوا فِي الْكُفْرِ وَفِي الْعُدْوَانِ يُفَرِّطُونَ إِفْرَاطًا فَهُمْ مُفْرِطُونَ.
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: «مُفْرَطُونَ» أَيْ: مَنْسِيُّونَ مُمَهَّلُونَ مَتْرُوكُونَ.
وَقِرَاءَةٌ ثالثة: حدثني أحمد بن عبدان عن علي عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ قَرَأَ: «وَأَنَّهُمْ مُفَرِّطُونَ» وَمَعْنَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ أَيْ: مُقَصِّرُونَ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْعِبَادَةِ، يُقَالُ: فُلَانٌ فَرَّطَ فِي الْأَمْرِ: قَصَّرَ، وَأَفْرَطَ: جَاوَزَ الْحَدَّ، وَمُضَارِعُ فَرَّطَ يُفَرِّطُ تَفْرِيطًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يا حسرتى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ}. وَتَقُولُ الْعَرَبُ: فَرَّطَ فُلَانٌ الْقَوْمَ إِذَا تَقَدَّمَهُمْ فَهُوَ فَارِطٌ، وَالْجَمْعُ فُرَّاطٌ، قَالَ الشَّاعِرُ:
فَاسْتَعْجَلُونَا وَكَانُوا مِنْ صَحَابَتِنَا ... كَمَا تَعَجَّلَ فُرَّاطٌ لِوُرَّادِ
وَمِنْ ذلك حديث رسول الله - صلى الله عليه وَسَلَّمَ -: «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ»
أَيْ: أَتَقَدَّمُكُمْ، وَرَوَى النَّابِغَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم -: «أنا والنبيون فراط لقاصفين» أَيْ: لِلْمُذْنِبِينَ، وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مَا رَوَاهُ غَيْرُهُ.
- وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ}.
قَرَأَ نَافِعٌ وَعَاصِمٌ فِي رِوَايَةِ أبي بكر وابن عامر «نسقيكم» بفتح النون وَكَذَلِكَ فِي قَدْ أَفْلَحَ.
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالضَّمِّ.
فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ قَوْمٌ: سَقَى وَأَسْقَى لُغَتَانِ وَأَنْشَدُوا:
سَقَى قَوْمِي بَنِي مَجْدٍ وَأَسْقَى ... نُمَيْرًا وَالْقَبَائِلَ مِنْ هِلَالِ
وَقَالَ آخَرُونَ سَقَيْتُهُ مَاءً لِشَفَتِهِ، كَقَوْلِهِ: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} وَأَسْقَيْتُهُ:
سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يَسْقِيَهُ، وَأَنْشَدُوا لِذِي الرُّمَّةِ:
وَقَفْتُ عَلَى رَبْعٍ لِمَيَّةَ نَاقَتِي ... فَمَا زِلْتُ أَبْكِي عِنْدَهُ وَأُخَاطِبُهْ
وَأَسْقِيهِ حَتَّى كَادَ مِمَّا أَبُثُّهُ ... تُكَلِّمُنِي أَحْجَارُهُ وَمَلَاعِبُهْ
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: أَنَّ مَا كَانَ مِنَ الْأَنْهَارِ وَبُطُونِ الْأَنْعَامِ فَبِالضَّمِّ.
وَفِيهِ قَوْلٌ رَابِعٌ: ذَكَرَ أبو عبيدة، قَالَ: مَا سَقَى مَرَّةً وَاحِدَةً، قُلْتُ: سَقَيْتُهُ شَرْبَةً، وَمَا كَانَ دَائِمًا قُلْتُ: أَسْقَيْتُهُ كَقَوْلِكَ: أَسْقَيْتُهُ غَيْرَ مَاءٍ.