للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَالْخَنِينُ صَوْتُ الْبُكَاءِ مِنَ الْأَنْفِ، ويُقَالُ: الْأَنْفُ الْمُخِنَّةُ، وَأَنْشَدَ (١):

بَكَى جَزَعًا مِنْ أَنْ يَمُوتَ وأجهشت ... إليه الجرشى وارمعل خنينها


(١) تتمة مهمة في بيان حكم التجويد:
قال شمس القراء ابن الجزري - رحمه الله تعالى -: التجويد فرض على كل مكلف، ثم قال: إنما قلت التجويد فرض، لأنه متفق عليه بين الأئمة؛ بخلاف الواجب فإنه مختلف فيه، أما وجوبه بالكتاب فقوله تعالى: ورتل القرآن ترتيلا [المزمل: من الآية ٤]، قال المفسرون: أي: ائت به على تؤدة، وطمأنينة، وتأمل، ورياضة اللسان على القراءة بترقيق المرقق، وتفخيم المفخم، وقصر المقصور، ومد الممدود، وإظهار المظهر، وإدغام المدغم، وإخفاء المخفي، وغير ذلك مما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى في موضعه.
وأما وجوبه بالسنة فقوله - صلى الله عليه وسلم -: اقرءوا القرآن بلحون العرب، وإياكم ولحون أهل الفسق والكبائر، فإنه سيجيء أقوام من بعدي يرجعون القرآن ترجيع الغناء، والرهبانية، والنوح، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم، وقلوب من يعجب بشأنهم. رواه مالك في كتابه الموطأ، والنسائي في مسنده.
والمراد بلحون العرب: نطق الإنسان بحسب جبلته، وطبيعته على طريق العرب العرباء الذين نزل القرآن بلغتهم، والمراد بلحون أهل الفسق مراعاة الأنغام المستفادة من العلم الموضوع لها، فإن راعى القارئ النغمة فقصر الممدود، ومد المقصور، حرم ذلك، وإن قرأه على حسب ما نزل من غير إفراط‍، ولا تفريط‍، فإنه يكون مكروها.
وقال أيضا: ولا شك أن الأمة كما هم متعبدون بفهم معاني القرآن وإقامة حدوده، متعبدون بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه على الصفة المتلقاة من أئمة القراءة المتصلة بالحضرة النبوية الأفصحية العربية التي لا تجوز مخالفتها، ولا العدول عنها إلى غيرها، والناس في ذلك بين محسن مأجور، ومسيء آثم، أو معذور، فمن قدر على تصحيح كلام الله تعالى باللفظ‍ الصحيح، العربي الفصيح، وعدل إلى اللفظ‍ الفاسد العجمي، أو النبطي القبيح، استغناء بنفسه، واستبدادا برأيه وحدسه واتكالا على ما ألف من حفظه.
واستكبارا عن الرجوع إلى عالم يوقفه على صحيح لفظه، فإنه مقصر بلا شك، وآثم بلا ريب، وغاش بلا مرية، فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الدين النصيحة: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم).
أما من كان لا يطاوعه لسانه؛ أو لا يجد من يهديه إلى الصواب بيانه، فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، ولهذا أجمع من نعلمه من العلماء على أنه: لا تصح صلاة قارئ خلف أمي، وهو من لا يحسن القراءة.
واختلفوا في صلاة من يبدل حرفا بغيره سواء تجانسا أم تقاربا، وأصح القولين عدم الصحة كمن قرأ: (الحمد) بالعين أو (الدين) بالتاء، أو (المغضوب) بالخاء أو بالظاء، ولذلك عد العلماء القراءة بغير تجويد لحنا، وعدوا القارئ بها لحانا. النشر/ ١٤.

<<  <   >  >>