للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفلانٌ قد عَدَا طَوْرَهُ: إذا تَعَدَّى وجاوز مِقْدَارَه.

قولُه تَعَالى: {وَمَا عَمِلَتْهُ أَيِديهِمْ}.

قرأ أهلُ الكوفةِ إلَّا حَفْصًا: «عَمِلَتْ أَيِديِهمْ» بغير هاءٍ اتَّباعًا لمصحفهم.

والباقون «عَمِلَتْهُ» بالهاء اتباعًا لمصاحفهم، والهاء تعود عَلَى «ما» وعملت صلتها، ومَن حَذَفهُ اختصارًا؛ لأنَّه مفعولٌ، وكلُّ مفعولٍ يجوزُ حذفه اختصارًا كقوله: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} يريد: وما قَلَاكَ، ولا سيَّما إذا كان فِي اسمٍ يحتاج إلى صلة فتُحذف الهاءُ لما طال الاسمُ بالصّلة كقولِهِ: {مِنْهُمْ مَنْ كَلّمَ اللهُ} يريدُ كَلَّمَهُ اللهُ.

وقولُه تَعَالى: {وَالقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنَازِلَ}.

قرأ أهلُ الكوفةِ وابنُ عامرٍ: «والقَمَرَ» نصبًا بإضمار فعلٍ يُفسره ما بعده أي:

قدَّرنا القَمَرَ قدَّرناه.

والباقون يَرفعون: «والقَمَرُ» فمن رَفَعَ جَعَلَهُ ابتداء و «قَدَّرْناهُ» خَبَرَهُ، والهاءُ مفعولٌ. قَالَ الشَّاعِرُ:

والذِّئْبَ أَخْشَاهُ إنْ مَرَرْتُ بِهِ ... وَحْدِيْ وَأَخْشَى الرِّيَاحَ وَالمَطَرَا

ومثَّل «القَمَرَ» حين يهل ثُمَّ يَعظُم ويَستديرُ ثُمَّ يَنْقُصُ ويَدقُّ بالعُرجون وهو اليابسُ من الشَّماريخ.

وقال الفَرَّاء: العُرْجُوُنُ: ما بين الشَّماريخ إلى النَّابت فِي النَّخلة والقَدِيْمُ هاهنا الَّذِي قد أَتى عَلَيْهِ سَنَةٌ، وأمَّا قولُ الشَّاعِرِ:

لوْ يَدِبُّ الحَوْلِيُّ مِنْ وَلَدِ الذَّ ... رِّ عَلَيْهَا لأنْدَبَتْهَاْ الكُلُوْمُ

فإنَّ ثعلبًا، قَالَ: الحولي هاهنا: ما أتى عَلَيْهِ يومٌ واحدٌ؛ لأنَّ الذَرَّ لا يعيش سنةً، والعربُ تشبِّه انتقاص المرءِ بعد كبَرِه بزيادة القمرِ ونقصانِهِ. وكذلك إذا ولد؛ لأنَّ القمرَ يهلُّ صغيرًا ثُمَّ يعظم ثُمَّ ينقص، كذلك يكون الرَّجُلُ طفلًا، ثُمَّ شرخًا، ثُمَّ يستوي شبابه، ثُمَّ يشيخ، ثُمَّ يَنْقُصُ، قَالَ الشاعرُ:

مَهْمَا يَكُنْ رَيْبُ المُنْوْنِ فإنَّني ... أرى قَمَرَ الدُّنيا المُعَذَّبَ كالفَتَى

يَهِلُّ صغيرًا ثُمَّ يعظُمُ ضَوْؤْهُ ... وصُوْرَتُهُ حتّى إذا ما هُوَ انْتَهَى

يُقارِبُ يَخْبُو ضَوْؤُهُ وَشَعَاعُهُ ... ويَمْصَحُ حتَّى يَسْتَسِرَّ فَلَا يُرَى

<<  <   >  >>