للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقولُه تَعَالى: {اللَّه رَبَّكَمُ وَرَبَّ آبَائكُمُ الَأوَّلِيْنَ} قرأ حمزة والكِسَائِيّ وحفص عنْ عاصم: «اللَّه» بالنصب بدلًا من قولُه: {وتَذَرُوْنَ أَحْسَنَ الخالِقِيْنَ} لأن «أحسن» مفعول تذرون واسم اللَّه تَعَالى بدل مِنْهُ إذ كان هُوَ هُوَ، لأنَّ أحسن الخالقين هُوَ «اللَّه رَبَّكُمْ» عطف عَلَيْهِ، وَرَبَّ ءابائِكُمُ، وذلك أن اللَّه عزَّ وجلَّ وبخهم وجهلهم حين عبدوا ما نحتوه بأيديهم، وهو البَعْلُ، فَقَالَ: «أَتَدْعُوْنَ بَعْلًا» أي:

صَنَمًا، «وَتَذَرُوْنَ أحْسَنَ الخَالِقِيْنَ» أي: تذرون ربكم وربَّ آبائكم، لأنهم قالوا: {بل وجدنا آباءنا كذلك يَفْعَلُوْنَ} والبَعْلُ: أربعة أشياء؛ البَعْلُ: الزوج والبَعْلُ: السَّماءُ، تَقُولُ العرب: السَّماءُ بعلُ الأرضِ، والبَعْلُ من النَّخْلِ، ما شَرِبَ بعروقه من غيرِ سقيِ السَّماءِ. والبَعْلُ: الصَنَمُ.

وقرأ الباقون: «الله ربكم ورب آبائكم» بالرفع على الاستئناف، كما قَالَ الشَّاعِر:

فإن لها جارين لَنْ يَغْدُرا بها ... رَبِيْبُ النَّبيّ وابنُ خيرَ الخَلائِفِ

فاستأنفَ فرفعَ ربيب عَلَى معنى هما ربيب وابن، وكذلك: «أحسنُ الخالِقِين اللَّهُ»، أي: هُوَ اللَّه تَعَالى، وخلائف: جمع خليفة، وخليف بغيرٍ هاء يجمع خلفاء مثل كريم وكرماء، وَيُقَال للرَّجُلِ: هَذَا خليفةٌ عَلَى المعنى، ويجوز هذه خليفةٌ عَلَى اللفظ‍ والتأنيث، قَالَ الشَّاعِر:

أَبُوْكَ خَلِيْفَةٌ وَلَدَتْهُ أُخرَى ... وأَنْتَ خَلِيْفَةٌ ذاكَ الكَمَالُ

وقال أوس بْن حجر - وأتى بالَّلغتين -:

إنّ من القومِ موجودًا خَلِيْفَتُهُ ... وما خَلِيْفُ أَبِي وَهْبٍ بِمَوْجُوْدِ

وقيلَ لأبي بكرٍ الصدّيق رضوان اللَّه عَلَيْهِ: يا خليفةَ رَسُول اللَّه، فَقَالَ: لستُ خليفته، ولكن خالفته، والخالف: المستقى، والخلف: الاستقاء، والخوالفُ: النّساءُ المغيبات، والخليفة من الإبل: الحامل، وربما قالوا: الخلف للحمل، قال الراجز:

ما لك ترغين ولا تَرْغُو للخَلِفْ ... وتَجْزَعِيْنَ والمَطِيُّ مُعْتَرِفْ

وقولُه تَعَالى: {وإنَّهم لَكَاذِبُونَ أصطفى}.

أجمع القراء على قطع هذه الألف، لأنها توبيخ عَلَى لفظ‍ الاستفهام دخلت عَلَى ألف الوصل، والتقدير: أأصطفى فسقطت ألف الوصل، وكذلك: «أطَّلعَ الغَيْبَ» «أَفْتَرَى

<<  <   >  >>