وهكذا هديت لرشدك أبدًا، فإن هذا يسعفك في مواطن المضايق.
وعليك بالتفقه - كما أسلفت - في نصوص الشرع، والتبصر فيما يَحُفّ أحوال التشريع، والتأمل في مقاصد الشريعة (١)، فإن خلا فهمك من هذا أو نبا سمعك فإن وقتك ضائع، وإن اسم الجهل عليك لواقع (٢).
= الغرب لانشغالهم بالوظائف، ويوم الإجازة هو يوم الأحد، فمراعاة لمقصد الشريعة الكلي في اجتماع الناس نجعل صلاة الجمعة يوم الأحد، فهنا وقعنا في خطأ؛ لأننا راعينا الكلي ولم نلحظ الجزئي.
وهكذا أيضًا فيما يتعلق بدفع الضرر، أو بجلب التيسير، أو بالحيل أو الذرائع، لابد من ملاحظة الأمرين معًا، الكلي والجزئي، إن لاحظنا الجزئي وقعنا في الغلط، وصادمنا كليات الشريعة، وإن لاحظنا الكلي وحده قد نقع في خطأ؛ لأننا قد لا نلتفت إلى جزئي حضر فيه كلي آخر، لأننا لو جعلنا صلاة الجمعة يوم الأحد لأدى ذلك إلى تغيير مراتب الشرع، وانطماس الشريعة بالكلية، وكلما كانت هناك مسألة ذهبنا نغير في الشرع من أجل هذه المسألة، صحيح إننا التفتنا إلى كلي، لكن غفلنا عن كلي أهم وأولى منه، وما ذاك إلا لأننا غفلنا عن الجزئيات.
(١) في هذا الباب دعا المؤلف إلى التفقه في نصوص الشرع، وهذا أعلى من التفقه في القواعد، وأعلى من التفقه في المقاصد والكليات الشرعية.
(٢) قوله: "فإن خلا فهمك من هذا أو نبا سمعك"، يعني انتقل وتركك، "فإن وقتك ضائع"، هذه المعاني؛ وهي تخريج الفروع على الأصول والتفقه هي التي تعطيك التمييز الدقيق، يعني الفصل بين المسائل المختلفة باختلاف عللها ومداركها، وهو الذي يعطيك المعيار الصحيح الذي تحكم به على المسائل، وعلى المتكلمين في الحكم.