للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الأوزاعي رحمه الله تعالى: "تعلم الصدق قبل أن تتعلم العلم" [١]، وقال وكيع رحمه الله تعالى: "هذه الصنعة لا يرتفع فيها إلا صادق" (١) [٢].

فتعلم - رحمك الله - الصدق قبل أن تتعلَّم العلم والصدق: إلقاء الكلام على وجهٍ مطابق للواقع والاعتقاد، فالصدق من طريق واحد، أما نقيضه الكذب فضروب وألوان ومسالك وأودية، يجمعها ثلاثة (٢):

= أولها: رضا رب العزة والجلال، وتحصيل التقوى.

وثانيها: أن الصدق سبب لتوقير الخلق للإنسان، وقبولهم ما جاء به.

وثالثها: أن الصدق يحصل به الشرف وطمأنينة النفس ونقاء السريرة، وسمو الهمة، والصدق يحصُلُ به رجحان، العقل، ويحصل به محبة الخلق، ويحصل به صيانة الديانة.

(١) قوله: "قال الأوزاعي: (تعلم الصدق قبل أن تتعلم الحديث) وقال وكيع: (هذه صناعة لا يرتفع فيها إلا صادق) "، يعني لا يُحَصّل فيها العلم إلا صادق، ومن هنا يُقدَّم تعويد النفس على الصدق على طلب العلم، والصدق يكون بأمرين: موافقة الواقع، وموافقة الاعتقاد، فلو كنت أظن أن زيدًا ليس وراء الجدار، وقلت: زيد وراء الجدار، وكان - حقيقةً - زيد وراء الجدار، حينئذ هذا يخالف الاعتقاد، لكنه لا يخالف الواقع فهذا كذب، مثال هذا: رأى أخته حاملًا، فقال في بطنها ولد ذكر، فولدت وأصبح ولدًا ذكرًا، نقول هنا: هذا كلام كاذب، وهو وإن وافق الواقع لكنه يخالف الاعتقاد، وبالتالي يكون كلامًا كذبًا.

(٢) قوله: "وأودية، يجمعها ثلاثة .. " قسَّم المؤلف الكذب ثلاثة أقسام:


[١] الجامع للخطيب ١/ ٣٠٣ (٦٥٥).
[٢] الجامع لأخلاق الرواي وآداب السامع للخطيب ٢/ ٦ (١٠٠٩).

<<  <   >  >>