للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غير مشار إليهم، ولا متميزين برسم دون الناس، ولا منتسبين إلى اسم طريق أو مذهب أو شيخ أو زي كانوا بمنزلة الذخائر المخبوءة.

وهؤلاء أبعد الخلق عن الآفات، فإن الآفات كلها تحت الرسوم والتقيد بها، ولزوم الطرق الاصطلاحية، والأوضاع المتداولة الحادثة.

هذه هي التي قطعت أكثر الخلق عن الله، وهم لا يشعرون.

والعجب أن أهلها هم المعروفون بالطلب والإرادة، والسير إلى الله، زهم - إلا الواحد بعد الواحد - المقطوعون عن الله بتلك الرسوم والقيود.

وقد سئل بعض الأئمة عن السنة؟ فقال: ما لا اسم له سوي "السنة".

يعني: أن أهل السنة ليس لهم اسم ينسبون إليه سواها.

فمن الناس من يتقيَّد بلباس غيره، أو بالجلوس في مكان لا يجلس في غيره، أو مشية لا يمشي غيرها، أو بزي وهيئة لا يخرج عنهما، أو عبادة معَيَّنَة لا يتعبد بغيرها وإن كانت أعلى منها، أو شيخ معين لا يلتفت إلى غيره، وإن كان أقرب إلى الله ورسوله منه.

فهؤلاء كلهم محجوبون عن الظفر بالمطلوب الأعلى، مصدودون عنه، قد قيدتهم العوائد والرسوم والأوضاع والاصطلاحات عن تجريد المتابعة، فأضحوا عنها بمعزل، ومنزلتهم منها أبعد منزل، فترى أحدهم يتعبد بالرياضة والخلوة وتفريغ القلب، ويَعُدُّ العلم قاطعًا له عن الطريق، فإذا ذكر له الموالاة في الله والمعاداة فيه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عَدَّ ذلك فضولًا وشرًا، وإذا رأوا بينهم من يقوم بذلك أخرجوه من بينهم، وعدّوه غيرًا عليهم، فهولاء أبعد الناس عن الله، وإن كانوا أكثر إشارة والله أعلم" ا. هـ.

* * *

<<  <   >  >>