للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعن محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله تعالى لما قيل له: ألا تصنف كتابًا في الزهد؟ قال: "قد صنفت كتابًا في البيوع" (١).

يعني: "الزاهد من يتحرر عن الشبهات (٢) والمكروهات في التجارات، وكذلك في سائر المعاملات والحرف". ا. هـ.

= فالمراد بالزهد: الاقتصار على ما ينفع، ولذلك نجد مثلًا سليمان بن داود وأباه قد آتاهما الله من الدنيا ما آتاهما، ولا يعد هذا مناقضًا للزهد، وإنما من جاءته الدنيا واستعملها فيما ينفعه في الآخرة فإنه يعد زاهدًا، قال تعالى: ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾ [سبأ: ٣٧]، فدل هذا على أن الأموال التي يعطيها الله - جل وعلا - للعبد إذا استعملها في طاعة الله - جل وعلا - فإنه حينئذ يكون من الزهاد، ولو كان عنده من الأموال الشيء الكثير، وأن الله - جل وعلا - إذا لم يجعل العبد يصرف ما أعطاه الله له في مراضيه فإنه ليس بزاهد، ولو لم يكن عنده من الدنيا إلا الشيء القليل.

(١) قوله: "وعن محمد بن الحسن الشيباني لما قيل له: ألا تصنِّف كتابًا في الزهد؟ قال: صنفت كتابًا في البيوع"، لأن من كان يترك من البيوع ما لا ينفعه فإنه حينئذ سيكون زاهدًا.

(٢) قوله: "الزاهد من يتحرَّز عن الشبهات"، والشبهات تشمل صورًا:

الصورة الأولى: إذا كان هناك مسائل يختلف أهل العلم فيها وللخلاف محله، فحينئذ هذه المسائل من الشبهات.

الصورة الثانية: مسائل فيها أدلة متعارضة، ولم يعرف الفقيه كيفية الجمع بينها، فهذه من المسائل المشتبهات.

الصورة الثالثة: أن يكون هناك مسائل لا ندري هل تدخل في تطبيق الحرام أو في تطبيق الحلال، فحينئذٍ هذه المسائل من المشتبهات، والمشتبهات لها عشر صور، هذه أبرز صور المشتبهات.

<<  <   >  >>