للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعليه، فازْوَرَّ عن زيف الحضارة (١)، فإنه يؤنث الطباع (٢)، ويرخي الأعصاب (٣)، ويقيدك بخيط الأوهام، ويصل المجدون لغاياتهم وأنت لم

(١) قوله: "وعليه فازور عن زيف الحضارة .. "، جاء في الحديث عن عمر أنه أتى النبي ، وكان النبي نائمًا على حصير ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، وإن عند رجليه قرضًا مصبوبًا، وعند رأسه أهب معلقة، قال: فرأيت أثر الحصير في جنبه فبكيت، فقال: (ما يبكيك؟) فقلت: يا رسول الله إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله، فقال: (أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟) [١].

فالمقصود أن الإنسان يستعمل ما لديه، فلا يتكلَّف في ملبسه، ولا يتكلف في مركبه، ولا يتكلف في أنواع الأثاث لديه، وذلك لأن التكلف في ذلك يخالف سمت طالب العلم، ويجعل الناس يظنون به ظن السوء.

- وقوله: "وعليه" أي: وبناء على ما مضى.

- وقوله: "فازْوَرَّ"، يعني أعرض.

- وقوله: "عن زيف الحضارة"، والمراد به الصورة الظاهرية الزائفة.

(٢) وقوله: "فإنه يؤنث الطباع"، يجعل الطبع مشابهًا لطبع من يكون رقيقًا في أموره.

(٣) وقوله: "ويُرخي الأعصاب"، وبالتالي لا يتمكن الإنسان من أن يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر، ولا يكون قويًا في الحق، ومثل ذلك يقيدك بخيط الأوهام: الناس لم يعجبهم لباسي، الناس لم يكن ثوبي حسنًا عندهم، الناس لم يعجبوا بالطيب الذي استعمله، ويكون همه في هذه الأمور الظاهرة، ويترك الأمور الحقيقية التي ينبغي به أن يتوجه لها، ولا يتمكن المجدون من الوصول لغاياتهم؛ لأنهم اشتغلوا بالتوافه، ويصل =


[١] أخرجه البخاري (٤٩١٣).

<<  <   >  >>