قال الله تعالى: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا﴾ [الإسراء: ١٠٦](١).
= على الصحيح من الضعيف، بل يوجدون لديه قدرة وملكة يتمكن بواسطتها من التمييز بين الصحيح والضعيف، ولذلك في عصرنا الحاضر وجدنا من لم يطلب العلم على العلماء يقومون بتسجيل أشرطة، ثم يكون في هذه الأشرطة من الطوام الشيء الكثير عند النطق بالكلمات لا ينطقونها بنطق صحيح، وعند الروايات لا يفرقون بين الرواية الصحيحة والرواية الضعيفة، ثم لا يتمكنون من ربط المسائل بعضها ببعض، أو ربط الحوادث بعضها ببعض؛ لأنهم ليس لديهم دراسة سابقة مبنية على تحصيل عند عالم متمكن.
إذا تقرر هذا فإنه لا بد أن يختار الإنسان العالم المتقن، أما من انتسب إلى العلم ولم يكن متقنًا له فحينئذ قد يوقعه في أشياء كثيرة، مخالفة للصواب والحق.
ومما يتعلق بهذا: أن تختار في كل فن من يتقنه حتى تكون بذلك قد حصلت الإتقان في ذلك الفن، وقد يوجد علماء يتقنون فنونًا عديدة، فمثل هؤلاء هم الذين يُحْرَصُ على اقتناصهم واقتناص التعلم منهم؛ وذلك لأن العلوم الشرعية يرتبط بعضها ببعض، فعندما تأتي بشخص عارف في الفقه، ومتقنٍ لكلام أهل العلم فيه، لكنه لا يعرف قواعد الأصول، أو لا يعرف مباحث المعتقد يكون درسك معه مقطوعًا؛ لأن مسائل الفقه مرتبطة بالأصول، وهناك مسائل فقهية عديدة فيها جوانب عقدية.
(١) ذكر المؤلف عددًا من الأدلة الدالة على مشروعية التدرج في طلب العلم، ومنها قوله تعالى: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا﴾ [الإسراء: ١٠٦]، كثير من أهل العلم يفرق بين الفعلين: أنْزَل ونزَّل؛ لأن نزَّل يراد بها التنزيل المفرَّق، وأما أنزل فيحتمل أن تكون كذا وأن تكون كذا، وهذا إنما يكون عند المقارنة بين اللفظين.