للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله: "وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ" كلمةٌ سهلةٌ في المعتاد ومعناه صعبُ المنالِ، وتفريغ القلب لله تعالى هو إحضاره الذي هو سِرُّ الصلاة وتصفية الوقت والإخلاص الذي هو روح العبادات، ويروي أَنَّ النَّبِيَّ قال: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ وَلَا يُكْتَبُ لَهُ سُدْسُهَا وَلَا عُشْرُهَا، وَإِنَّمَا يُكْتَبُ لِلْعَبْدِ مِنْ صَلَاتِهِ مَا عَقَلَ مِنْهَا" (١).

وما لَمْ يفرغ القلب لله تعالى لا يتمكن فيه تعظيم الله تعالى، والالتذاذ بذكره، واتباع أمره، ولا يمتلئ من رجائه وخوفه فما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، وقال قائلهم: [طويل]

أَتَانِي هَوَاهَا قَبْلَ أَنْ أَعْرِفَ الْهَوَى … فَصَادَفَ قَلْبًا فَارِغًا فَتَمَكَّنَا

والمقصود من التفريغ مِمَّا سواه أن يمتلئَ بِهِ.

ذُكر أنَّ الله تعالى أوحي إلى موسي : "فرغ لي (بيتًا) (٢) أسكنه" وأراد به قلبه.


وقد روى البخاري (٢٠٣)، ومسلم (١٤٩) من حديث الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عن رسول الله أنه خَرَجَ لِحَاجَتِهِ فَاتَّبَعَهُ الْمُغِيرَةُ بِإِدَاوَةٍ فيها مَاءٌ، فَصَبَّ عليه حين فَرَغَ من حَاجَتِهِ، فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ على الْخُفَّيْنِ.
قال النووي في شرح مسلم: وفي هذا الحديث دَلِيلٌ على جَوَازَ الاسْتِعَانَة في الوضوء. وقد ثَبَتَ أَيْضًا في حديث أُسَامَة بْن زَيْد أنه صَبَّ على رسول الله في وُضُوئِهِ حين انْصَرَفَ من عَرَفَة. وقد جَاءَ في أحاديث لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ النَّهْي عن الاسْتِعَانَة. أهـ.
(١) رواه أبو داود (٧٩٦)، وابن حبان (١٨٨٩) عن عمار بن ياسر بنحوه. وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (١٦٢٦).
(٢) في د: شيئًا.

<<  <   >  >>