للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النَّاس فِيهِ فِرْقَتَانِ:

فرقةٌ أنكرت الحديثَ من أصله واستعظمت أن يغانَ قلبُ رسول الله حتى يستغفر مما أصابه، وعلى ذلك جرى أبو نصر السراج صاحب كتاب "اللمع في التصوف" فروى الحديث وقال عقيبه: هذا حديثٌ منكرٌ.

وهذا مذهبٌ مهجورٌ، وأنكر علماء الحديث استنكار السراج وقالوا: الحديث صحيح، وكان من حقِّه أن لا يتكلمَ فيما لا يعلم.

والمُصَحِّحُونَ له تَحزَّبُوا: فتَحَرَّج من تفسيره مُتَحَرِّجُون.

وعن شعبة أنه قال: سألت الأصمعيَّ فقلت: ما معنى قوله: "إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلبِي"؟

فقال: عَمَّن يروي ذلك؟ قلت: عن النَّبيِّ .

قال: لو كان غير قلب النَّبِيِّ فَسَّرْتُ لك، وأما قلب النَّبيِّ فلا أدري، فكان شعبة يتعجب منه.

وعن الجنيد أنه قال: لولا أنه حال النَّبِيِّ لتكلمت فيه، ولا يتكلم في حالٍ إلَّا من كان مشرفًا عليها، وجَلَّت حاله عن أن يشرف على نهايتها أحدٌ من الخلق، وتَمنَّي الصديق مع علوِّ رتبته أن يشرف عليها فروي عنه أنه قال: ليتني شهدت ما استغفر منه رسول الله .

فهذه طريقة للمصححين (١).

وتكلم فيه آخرون على حسب ما انتهى إليه فهمهم، ولهم منهاجان:

أحدهما: حملُ الغينِ على حالةٍ جيملةٍ ومرتبةٍ عاليةٍ اختصّ بها الرسولُ


(١) في "طبقات الشافعية" للسبكي (٨/ ٢٩٠): المصححين. فقد نقل الكلام بتمامه عن الرافعي.

<<  <   >  >>