للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله: "لَا إِلَهَ إِلَّا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ" أي نقول: لا إله إلا الله مخلصين، والدِّينُ يصحُّ حمله على الملة وعلى الطاعة وغيرها.

واعلم أنَّ الكلمات المذكورة تشتمل على التوحيد ونفي الشركة، وعلى تخصيص الملك والحمد به، وعلى وصفه بالقدرة على الممكنات، وعلى التبرؤ من الحول والقوة، والاعتراف بأنَّ الكلَّ بتيسير الله وتقديره، وعلى تخصيصه بالخضوع والطاعة له، وعلى الإقرار بالنِّعمة الأخروية والفضل في الدنيا منه، وعلى أنه المستحق للشكر والثَّناء، وعلى إظهار الإخلاص في جميع ذلك على مراغمة الكافرين والجاحدين، وصاحب الكلمات إذا لم يأت بها عن قلبٍ لاهٍ ووافق قوله حاله وَرَّثه هذا الذِّكْرُ السُّكون والطمأنينة وصار من الذين تطمئنُّ قلوبهم بذكر الله وتستأنس، فالمحبُّ يستأنس بأن يُذكر له محبوبه أو يُذكر بين يديه، كان قيسٌ المجنون إذا ذُكِرت له ليلى سكن وانتظم كلامه، وإذا سئل عن غيرها اضطرب وخُولط في عقله، ثم إذا استحكمت المحبة ارتفعت المباينة، وسقطت المفارقة، وقام المحبُّ بصفات المحبوب، وفني عن صفات نفسه.

يروى أن قيسًا سئل: أتحب ليلى؟

فقال: لا. قيل: ولم؟

قال: لأنَّ المحبَّةَ ذريعة الْوُصْلَةِ، وقد حَصَلَتِ الْوُصْلَهُ، وسقطت الذَّريعةُ، فأنا ليلى وليلى أنا، وأنشد له: [كامل]

وَلَقَدْ هَمَمْتُ بِقَتْلِهَا مِنْ أَجْلِهَا … كَيْ مَا تَكُونَ خَصِيمَتِي في الْمَحْشَرِ

حَتَّى يَطُولَ عَلَى الصِّرَاطِ وَقُوفُنَا … فَتَلذُّ عَينِي مِنْ فُنُونِ الْمَنْظَرِ

ثُمَّ ارْتَجَعْتُ فَقُلْتُ رُوحِي رُوحُهَا … فَإِذَا هَمَمْتُ بقِتْلِهَا لَمْ أَقْدِرِ

<<  <   >  >>