للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله: "وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا" يدلُّ على أنَّ المنافقين في القيامة يتبعون الأمة ويخلطون أنفسهم بهم إلى أن يُحرَموا، كما كانوا يُظهرون في الدنيا الاتباع والموافقة إلى أن فُضحوا.

وقوله: "فَيَأْتِيهِمُ الله" ولفظ الصورة والضحك في الحديثِ من المتشابهات التي يمتنع طائفةٌ من علماء الأصول وغيرهم من تأويلها بعد التنزيه والتحرز عن التشبيه، ويَكِلون علمها إلى الله تعالى (١).

ومنهم من يذهب إلى التأويل ويقول: قد تطلق الصورة بمعنى الصفة كما يقال: صورة الحال والمسألة كذا، والمعنى أنه يُظهر لهم شدَّةَ بَأْسِهِ وقُوَّةَ قهره ومؤاخذته، وقد عرفوه سَتَّارًا حليمًا فيقولون: ما عهدنا من ربِّنا إلا السّتر والرّحمة فنثبت في مكاننا رجاء أن يظهر لنا ما عرفناه وعهدناه، فيأتيهم بالعفو والمغفرة، فيقولون: هذا ما عرفنا به ربنا.

ومنهم من قال: يأتيهم الله في صورة أي بصورة؛ وذلك أنَّ عابدي الصور والأجسام أحيلوا على ما عبدوها، فتوجه كلُّ واحدٍ منهم وجهة كان هو موليها، وبقي الذين عبدوا الله منزهين له عن تماثل الصور والأجسام، فأراد الله تعالى أن يُظْهر صحَّةَ إيمانهم لملائكته أو لعبَدَةِ الطَّواغيتِ فأراهم صورة أبدأها وأبداها لهم وأجرى على لسان تلك الصورة أني ربكم فتنفَّروا وقالوا: كنَّا نعبدُ من يَجِلُّ عن الصُّور والأشكال فلا نبرح حتى نراه فإذا تجلى لهم ورأوه كما علموه قالوا: أنت ربنا.


(١) وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، قال تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ فهم يثبتون له ما أثبته لنفسه دون تعطيل أو تشبيه أو تجسيم.

<<  <   >  >>