للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله: "لَا تُحْدِثَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنِي" يحتمل معنيين:

أحدهما: أنَّه أراد أن يسرع العود إليه ليأمره بالاغتسال فيبادر إلى هذه السنة، ولم يأمره به في الحال لئلَّا يتأخر دفنه.

والثاني: أنَّه كان يظهر عند دفن المشركين أعاجيب سيِّما في زمان انخراق العادات كما روي أن بعضهم دفن مرارًا فكانت الأرض تقذفه، فأراد أن يُخْبِرَ عن السَّلامة ليشكر الله تعالى على ذلك، وأيضًا فليفرغ قلبُهُ عن أمر دفنه وتكفينه اللذين كانا لازمين، ولم يستحسن أن يقوم بهما بنفسه، والدعاء له عند ذلك كان سببه أنه أحسن إلى من أحسن إليه فكافأه.

وفي القِصَّةِ ما يُذَكِّرُ صاحبَ الفهمِ والاعتبارِ أنَّ اللَّهَ يفعل ما يشاء بالاقتدار، ويحكم ما يريد من العفو والاقتهار، يدني من يشاء ويهديه وإن كره المصطفي المختار كما فعل بوحشيٍّ، ويبعد من يشاء على قرابته منه ويجعله من أهل النار كما فعل بأبي طالب، ليعلم أنَّ الأمرَ إليه، وزمام الخير والشر بيديه.

وفيما أخبرنا به عن أبي بكر الشِّيرُويِيِّ، عن القاضي الْحِيريِّ، ثنا الأَصَمُّ (١) قال: ثنا محمد بن هشام بن ملاسٍ، ثنا مروان بن معاوية، ثنا حُمَيْدٌ، عن أنس بن مالك قال: رُمِيَ رسول الله يوم أُحُدٍ فكسرت رباعيته، وَأُدْمِيَ وجهه، فجعل يمسح الدم عن وجهه وَيَقُولُ: "كيف يُفْلِحُ قوم خَضَبُوا وَجْهَ نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم" فأنزل الله تعالى: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ


ونقل الحافظ في "التلخيص" (١٨٢) تضعيف الأئمة له البيهقي والبخاري وابن المديني وأحمد وابن المنذر وأبو حاتم.
(١) في س: ابن أبي صمة. وهو خطأ، والمثبت من د. وكتب بحاشية س: صوابه أبو العباس الأصم.

ـ

<<  <   >  >>