للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم} فقد علم أن المؤمنين والصلحاء هؤلاء سيكون لهم نظر وكلام من الله تعالى، إلى غير ذلك من الآيات. الثاني أن متمسك هؤلاء المنكرين في نفي الرؤية ليس إلا الاستبعاد وقياس الغائب على الشاهد واشتباه العاديات بالبديهيات، وغاية سوء الأدب ممن يؤول آيات الكتاب بمجرد استبعاد عقله الناقص، ويصرفها عن الظاهر ولا يتفكر ولا يتأمل في معانيها. وفي آية {لاتدركه الأبصار} (١) نفي للإدراك الذي هو بمعنى الإحاطة لا نفي الرؤية. ولا يستلزم نفيه نفيها، لأن الإدراك والرؤية متباينان في الحقيقة. وبملاحظة إسناده إلى الأبصار بوجه أخص منها فإنه إبصار وانكشاف المرئي التام بالبصر. والإدراك في اللغة الإحاطة بدليل قوله تعالى {حتى إذا أدركه الغرق} وقوله {قال أصحاب موسى إنا لمدركون} ونفي أحد المتباينين لا يستلزم نفي الآخر، وكذا نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم. وأما ما يرادف العلم فهو المصطلح لا غير، لأن الإدراك بمعنى العلم والإحساس ليس في اللغة أصلا، ولا شك أن الإحاطة نقص له تعالى فنفيها مدح، والرؤية ليست كذلك. فعلى هذا معنى الآية: إن الله تعالى لا تحاط ذاته المقدسة بحاسة البصر. ولو فرضنا كون الإدراك بمعنى الرؤية لكان نفيها في الآية بناء على العادة. وظاهر أن رؤيته تعالى بحيث كل ما أراد فيراه، ولا يمكن لأحد أن يراه ما لم يره الله ذاته تعالى، وقد وقع في كلامه تعالى نفي العادة بالإطلاق كقوله تعالى {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} وبالإجماع يجوز رؤية الجن والشياطين بطريق خرق العادة، ولهذا استعظم واستبعد سؤال الكفار رؤية الملائكة مع أنهم يراهم الأنبياء والصلحاء والمؤمنون. وأيضا ليس النفي في الآية عاما في الأوقات، فلعله مخصوص ببعض الحالات، ولا في الأشخاص، فإنه في قوة قولنا لا كل بصر يدركه، مع أن النفي لا يوجب الامتناع.

أما العترة فقد روى ابن بابويه عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله فقلت: أخبرني عن الله عز وجل هل يراه المؤمنون يوم القيامة؟ قال: نعم. (٢) إلى غير ذلك من الأخبار.


(١) قال ابن تيمية: «ولفظ الإدراك له عموم وخصوص أو اشتراك لفظي فقد تقع رؤية بلا إدراك وقد يقع إدراك بلا رؤية، فإن الإدراك يستعمل في إدراك العلم وإدراك القدرة فقد يدرك الشيء بالقدرة وإن لم يشاهد كالأعمى الذي طلب رجلا هاربا منه فأدركه ولم يره». دقائق التفسير: ٢/ ١٢٦. ولينظر زاد المسير: ٣/ ٩٨؛ وروح المعاني: ٧/ ٢٤٥.
(٢) ابن بابويه، التوحيد: ص ١١٧؛ المجلسي، بحار الأنوار: ٤/ ٤٤.