للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوع المعلق به، والمحال لا يثبت على شيء من التقادير الممكنة. وأيضا ما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إنكم سترون ربكم عيانا يوم القيامة كما ترون هذا القمر لا تضامون» (١) وهذه الرؤية متعدية إلى مفعول واحد فهي من رأي العين لا من رأي القلب. ووجه الاستدلال به أن الرؤية لو كانت محالا لما بشر النبي بها المؤمنين لأن بشارته متحتمة الوقوع والمحال لا يمكن وقوعه، والتشبيه المذكور في الحديث تشبيه الرأي بالرأي (٢) في الحالتين دون المرئي بالمرئي. وقوله تعالى {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة}. والنظر المتعدي بإلى هو بمعنى الرؤية و «إلى» ههنا حرف جر لا اسم مفرد، وليس النظر متعديا إليه بنفسه فإن النظر يكون حينئذ بمعنى الانتظار وهو غم ونقمة كما قيل «الانتظار موت أحمر» (٣) لا نغمة ومسرة، وقد سبقت الآية في بشارة المؤمنين بنعيم الجنة وسرورها، والانتظار يوجب الغم ولا يناسب سياق الآية.

وأما العقل فهو أنا نرى الأعراض - كالألوان والأضواء وغيرهما - والجواهر - كالطول والعرض - في الجسم فلا بد له من علة مشتركة بينهما بل من شيء مشترك بينهما يكون المتعلق الأول للرؤية وذلك الأمر إما الوجود أو الحدوث أو الإمكان، والأخيران عدميان لا يصلحان لتعلق الرؤية بهما فلم يبق إلا الوجود وهو مشترك بين الواجب والممكنات فيجوز رؤيته عقلا، والمراد بالوجود مفهوم مطلق الوجود الحقيقي وما به الموجودية. وبالجملة إن المعتمد في مسألة الرؤية إجماع الأمة - قبل حدوث المبتدعين - على وقوعها، وهو مستلزم لجوازها، وعلى كون الآية الكريمة محمولة على الظاهر المتبادر منها.

وقد أنكر الرؤية جميع فرق الشيعة - إلا المجسمة منهم - وقالوا يستحيل رؤيته تعالى. وعقيدتهم هذه مخالفة للكتاب والعترة. (٤) أما الكتاب فقوله تعالى {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} وقوله تعالى في الكفار {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} فعلم أن المؤمنين لا يكون لهم حجاب عن ربهم، وقوله تعالى {إن الذين يشترون بعهد الله وإيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة


(١) متفق عليه
(٢) أي الرؤية
(٣) قال الميداني: «قولهم موت أحمر: أي شديد». مجمع الأمثال: ١/ ١٩٩.
(٤) قالوا: «نعتقد نحن الشيعة بأن الله تعالى لا يمكن أن يرى بالعين لا في الدنيا ولا في الآخرة». العقائد الإسلامية: ٢/ ١٣٣.