للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وما يتصور في حقه من القرب فإنما هو بالدرجة والمنزلة عنده تعالى ورضوانه عنه فقط. وهذا هو مذهب أهل السنة. وقد ثبت في الأخبار الصحيحة المروية عن العترة الطاهرة بروايات الشيعة أن الأئمة قد نفوا عن الله تعالى المكان والاتصال والأين وغيرها. وقال أكثر فرق الإمامية بالقرب المكاني والصوري، ويحملون المعراج على الملاقاة المتعارفة الجسمانية. روى ابن بابويه في كتاب (المعراج) عن حمران بن أعين عن أبي جعفر - عليه السلام - أنه قال في تفسير قوله تعالى {ثم دنى فتدلى} أدنى الله عز وجل نبيه - صلى الله عليه وسلم - فلم يكن بينه وبينه إلا قفص من لؤلؤ فيه فراش يتلألأ من ذهب فأراه صورة فقيل: يا محمد أتعرف هذه الصورة؟ قال: نعم هذه صورة علي بن أبي طالب. (١)

الثاني عشر منها: أن رؤية الله تعالى ممكنة عقلا وسيراه المؤمنون بعيون رءوسهم جزما ويتشرفون في الجنة بهذه النعمة بحسب مراتبهم، (٢) والكافرون والمنافقون محرومون منها. وهذا هو مذهب أهل السنة. وتمسكهم على هذا المطلب بالنقل والعقل: أما النقل فقوله تعالى حكاية عن موسى {رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني} ووجه الاستدلال به أمران: الأول أن سؤال موسى الرؤية يدل على إمكانها لأن العاقل - فضلا عن النبي - لا يطلب المحال ولو بتكليف الغير، ولا مجال للقول بجهل موسى - عليه السلام - بالاستحالة، فإن الجاهل بما لا يجوز على الله تعالى لا يصلح من النبوة هداية الخلق إلى العقائد الحقة والأعمال الصالحة. ولا ريب في نبوة موسى وأنه كبار الأنبياء وأولي العزم. وأيضا أن يقال إنما سأل موسى الرؤية بتكليف القوم حيث قالوا {لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة} وقالوا {أرنا الله جهرة} ولتبكيتهم إذ لو كانت الرؤية ممتنعة لوجب عليه أن يجهلهم ويزيح شبهتهم كما فعل بهم لما قالوا {اجعل لنا إلها} الآية. وأيضا لو كان سألها بتكليفهم لقال «رب أرهم ينظروا إليك». والثاني أنه تعالى علق الرؤية على استقرار الجبل، وهو أمر ممكن في نفسه والمعلق على الممكن ممكن لأن معنى التعليق الإخبار بوقوع المعلق عند


(١) الحسيني، تأويل الآيات الظاهرة: ص ٦٠٥؛ المجلسي، بحار الأنوار: ١٨/ ٣٠٢.
(٢) قال ابن تيمية: «أما إثبات رؤية الله تعالى بالأبصار في الآخرة، فهو قول سلف الأمة وأئمتها وجماهير المسلمين من أهل المذاهب الأربعة وغيرها، وقد تواترت فيه الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عند علماء الحديث وجمهور القائلين بالرؤية يقولون يرى عيانا مواجهة، كما هو المعروف بالعقل». منهاج السنة النبوية: ٣/ ٣٤١.