للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قبل ألف سنة وأن المهدي يظله السحاب لا سقف السرداب، (١) وأنه يظهر في مكة لا في سر من رأى، (٢) ويدعو الناس بعد الأربعين من عمره لا في زمن الطفولة ولا في الشيخوخة. (٣)

على أن السيد محمد الجنفوري (٤) في الهند ولم يقتل ولم يخوف وأيضا قد كثر محبوه وناصروه في زمن الدولة الصفوية (٥) أكثر من رمل الصحارى والحصى، فالاختفاء مناف لمنصب الإمامة الذي مبناه على الشجاعة والجرأة فهلا خرج وصبر واستقام إلى أن ظفر وهلا كان القوم الذين قال الله تعالى فيهم {وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين}

ثم ما حكى أولا من قصة الغار واستتار سيد الأبرار من خوف الكفار (٦) فكلام واقع في غير موقعه لأن استتاره - عليه الصلاة والسلام - لم يكن لإخفاء دعوى النبوة بل كان من جنس التورية في الحرب لأجل أن الكفار لا يطلعون على مقصده ولا يسدون الطريق عليه وهذا أيضا كان ثلاثة أيام (٧) فقياس ما نحن فيه عليه غاية الحماقة والوقاحة ففرق واضح لا يخفى على من له أدنى عقل بين الاختفاء الذي كان مقدمة لظهور الدين والغلبة على الكافرين وبين الاختفاء الذي لازمه الخذلان وترك الدعوة وانتشار الطغيان. فالأول تلوح مياه الهمة من أسرته (٨) وتتبلج أقمار النصرة من تحت طرته (٩) بخلاف الثاني فغبار الجبن يلوح على خده والفرار عن الدعوة موسوم على حده فأي فرقة سخرها الإمام لنفسه في هذه الغيبة وأي ملك ملكه؟ ولو ابتغى صاحب الزمان فرصة ثلاثمائة سنة مكان ثلاث ليالي وعوض الغار سرداب سر من رأى وبدل المدينة المنورة دار المؤمنين قم ودار الإيمان كاشان (١٠) وبدل الأنصار شيعة فارس والعراق قائلا بأني في هذه الصورة أجمع الأسباب وأتخذ الأصحاب ثم خرج لكشف الغمة وإصلاح حال الأمة لتحمل أهل السنة وغيرهم هذه الشرائط. وأنى ذلك فليست هذه إمامة بل هي لعمرك قيامة.

وقد ترك الشيخ مقداد صاحب (كنز العرفان) من المتأخرين طريق القدماء وقال: كان


(١) يعتقد الإمامية أن إمامهم الثاني عشر ما زال منذ اختفاءه منذ أكثر من مائتي وألف عام حيا يرزق، قال الكفعمي: «يستحب زيارة المهدي في كل زمان ومكان والدعاء بتعجيل فرجه (صلوات الله عليه) عند زيارته، وتتأكد زيارته في السرداب بسر من رأى ... ». البلد الأمين: ص ٣٠٩.
(٢) في رواية نعيم بن حماد عن الزهري أنه قال: «يخرج المهدي من مكة». الفتن: ١/ ٣٥١. وعند الإمامية أكثر من رواية في ذلك منها ما رواه محمد بن جمهور عن أبي جعفر أنه قال: «يخرج القائم بمكة» ..
(٣) ينظر السنن الواردة في الفتن: ٥/ ١٠٩٢؛ وما أورده نعيم بن حماد، الفتن: ١/ ٣٦٥.
(٤) ذكره القنوجي في أبجد العلوم: ٣/ ٢٢١.
(٥) أسسها إسماعيل الصفوي في إيران (١٦٠٠ - ١٦٢٠م)، الذي أظهر عقيدة الإمامية في إيران، وقتل كل من يعارضها من العلماء والعامة، قال الشوكاني: «كاد أن يدعي الربوبية وكان يسجد له عسكره ويأتمرون بأمره»، وقال قطب الدين الحنفي الشوكاني: «قتل ألف ألف نفس بحيث لا يعهد في الجاهلية ولا في الإسلام ولا في الأمم السابقة من قتل من النفوس ما قتل الشاه إسماعيل، وقتل من أعاظم العلماء بحيث لم يبق من أهل العلم أحد في بلاد العجم وأحرق جميع كتبهم ومصاحفهم وكان شديد الرفض»، مات سنة ٩٣١هـ/ ١٦٢٠م. البدر الطالع: ١/ ٢٧١؛ أعيان الشيعة: ٣/ ٣٢١.
(٦) إشارة إلى ما قاله المرتضى لتبرير اختفاء الإمام الغائب المزعوم في السرداب تأسيا باختفاء النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغار. تنزيه الأنبياء: ص ١٨٤
(٧) قال الطوسي: «أليس النبي صلى الله عليه وآله اختفى في الشعب ثلاث سنين لم يصل إليه أحد، واختفى في الغار ثلاثة أيام ولم يجز قياسا على ذلك أن يعدمه الله تعالى تلك المدة مع بقاء التكليف على الخلق الذين بعثه لطفا لهم. ومتى قالوا: إنما اختفى بعدما دعا إلى نفسه وأظهر نبوته فلما أخافوه استتر. قلنا: وكذلك الإمام لم يستتر إلا وقد أظهر آباؤه موضعه وصفته، ودلوا عليه، ثم لما خاف عليه أبوه الحسن بن علي ... ». كتاب الغيبة: ص ١٥.
(٨) «أسرة الرجل: عشيرته ورهطه الأدنون لأنه يتقوى بهم». لسان العرب: مادة أسر: ٤/ ١٩.
(٩) حاشية الشيء. اللسان: مادة طرر: ٤/ ٥٠.
(١٠) قاشان، تبعد عن قم اثنا عشر فرسخا