للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك لله رضا، فإن خرج منهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه فإن آبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى.» (١)

ومنتهى ما أجاب الشيعة عن أمثال هذه أنه من مجاراة الخصم ودليل الزامي، وهو تحريف لا ينبغي لعاقل ولا يليق بفاضل، إذ فيه غفلة وإغماض عن أطراف الكلام الزائدة على قدر الإلزام، إذ يكفى فيه بيعة أهل الحل والعقد كما لا يخفى. وأيضا الدليل الإلزامي مسلم عند الخصم، ومعاوية لا يسلم ما ذكر، ويرشدك إلى ذلك كتبه إلى الأمير كما هو مذكور عند الإمامية وغيرهم، (٢) فمذهبه كما يظهر منها أن كل مسلم قرشي مطلقا إذا كان قادرا على تنفيذ الأحكام وإمضاء الجهاد وحماية حوزة الإسلام وحفظ الثغور ودفع الشرور وبايعه جماعة من المسلمين من أهل العراق أو من أهل الشام أو من المدينة المنورة فهو الإمام. وإنما لم يتبع الأمير لاتهامه له بقتله عثمان (٣) وحفظ أهل الجور والعصيان، وكان يعتقده قادرا على تنفيذ الأحكام وأخذ القصاص الذي هو من عمدة أمور شريعة سيد الأنام وذلك بزعمه ومقتضى فهمه. ومن أجلى البديهات أن بيعة المهاجرين والأنصار التي لم تكن خافية على معاوية قط لو حسبها معتدا بها لم يذكر في مجالسه ومكاتيبه قوادح الأمير، بل خطأ تلك البيعة أيضا بالصراحة كما هو معروف من مذهبه على ما لا يخفى على الخبير. فما ذكر في مقابلته من بيعة المهاجرين والأنصار دليل تحقيقي مركب من المقدمات الحقة فيثبت المطلوب.

ومنها ما في (النهج) أيضا عن الأمير «لله بلاد أبي بكر لقد قوم الأود، (٤) وداوَى العلل، وأقام السنة، وخلّف البدعة، وذهب نقي الثوب قليل العيب، أصاب خيرها واتقى شرها، أدى لله طاعة واتقاه بحقه، رحل وتركهم في طريق متشعبة لا يهتدي فيها الضال، ولا يستيقن المهتدي». (٥)

وقد حذف الشريف صاحب النهج حفظا لمذهبه لفظ


(١) نهج البلاغة (بشرح ابن أبي الحديد): ١٢/ ٣؛ تاريخ دمشق: ٥٩/ ١٢٨.
(٢) من ذلك ما نقله المجلسي من كتاب معاوية إلى علي - رضي الله عنهم - اأنه قال: «فقد آن لك أن تجيب ما فيه صلاحنا وألفة بيننا ... ». بحار الأنوار: ٣٢/ ٥٣٨.
(٣) أي وجودهم في نطاق حكمه دون أن يقام عليهم الحد الشرعي.
(٤) الأوَد: هو العوج. شرح نهج البلاغة: ٦/ ١٠٢.
(٥) نهج البلاغة (بشرح ابن أبي الحديد): ١٢/ ٢٢٣. وقال ابن أبي الحديد شارح نهج البلاغة: «وفلان المكنى عمر بن الخطاب، وفي النسخة التي بخط الرضي أبي الحسن جامع (نهج البلاغة) وتحت فلان عمر»