للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سلمنا وأغمضنا عن هذا الفرار أيضا، ولكن نقول: إن هذا الاستدلال أيضا منقوض بالسبطين، فإنهما في زمن ولاية الأمير لم يكونا مستقلين بالولاية بل كانا في ولاية الآخر وأيضا منقوض بالأمير فإنه في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كان كذلك، فلا نقض لصاحب الولاية العامة بكونه في بعض الأوقات في ولاية الآخر، ولو كان نقصا بالغرض للحق صاحب الولاية العامة أيضا فبطل الاستدلال الذي فروا إليه بجميع المقدمات.

الجواب الثاني ذكره الشيخ إبراهيم الكردي (١) وغيره من أهل السنة أن ولاية الذين آمنوا غير مرادة في زمان الخطاب البتة بالإجماع، لأن زمن الخطاب عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - والإمامة نيابة للنبوة بعد موت النبي، فلما لم يكن زمن الخطاب مرادا لا بد أن يكون ما أريد به زمانا متأخرا عن موت النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا حد للتأخير سواء كان أربع سنين أو بعد أربع وعشرين، فقام هذا الدليل في غير محل النزاع ولم يحصل منه مدعى الشيعة وهو كون إمامة الأمير بلا فصل. وهذا بالنظر الإجمالي، وإن نظرنا في مقدمات هذا الدليل بالتفصيل منعنا أولا إجماع المفسرين على نزولها فيما قالوا، بل اختلف علماء التفسير في سبب نزول هذه الآية فروى أبو بكر النقاش (٢) صاحب التفسير المشهور عن محمد الباقر - عليه السلام - أنها نزلت في المهاجرين والأنصار. وقال قائل نحن سمعنا أنها نزلت في علي بن أبي طالب قال الإمام: هو منهم. (٣) يعني أن أمير المؤمنين داخل أيضا في المهاجرين والأنصار ومن جملتهم. وهذه الرواية أوفق بلفظ «الذين» وصيغ الجمع في صلات الموصول وهي: {يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون}. وروى جمع من المفسرين عن عكرمة أنها نزلت في شأن أبي بكر، ويؤيد هذا القول الآية السابقة الواردة في قتال المرتدين. وأما القول بنزولها في حق علي بن أبي طالب ورواية قصة السائل وتصدقه


(١) إبراهيم بن حيدر بن أحمد الكردي الشافعي، له مؤلفات عديدة، توفي سنة ١١٥١هـ. معجم المؤلفين: ١/ ٢٧
(٢) اشتهر بالقراءة والتفسير رغم ضعفه في الحديث. ميزان الاعتدال: ٦/ ١١٥؛ طبقات المفسرين: ص ٩٤.
(٣) السيوطي، الدر المنثور: ٣/ ١٠٦. وأخرج الطبري وأبو نعيم عن عبد الملك بن أبي سليمان قال سألت أبا جعفر محمد بن علي عن قوله: «{إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} قال: أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، قلت يقولون: علي؟ قال: علي منهم». تفسير الطبري: ٦/ ٢٨٨؛ حلية الأولياء: ٣/ ١٨٥.