ما علِمه من المصالح والحكم، ولا يجوز لأحد من العباد نصرة الكافر وقتل المسلم بغير حق وإعانة الفاسق على فسقه وخذلان الصالح، بل لابد للعباد من الامتثال لأوامر الله تعالى ونواهيه، وهذا هو شأن العبودية أن يتلقى بالقبول حكم الله، ويعمل بالجد على وفقه، لا أنه يقتدى بأفعال المالك. وأما ما قيل «تخلقوا بأخلاق الله»(١) فبابه المكارم دون الأحكام، وإلا فمن لم يصل ولم يؤت الزكاة ولم يحج البيت مع الاستطاعة اقتداء بالله تعالى فهل يعذر في الدنيا والآخرة؟ ومن قال إن التأني وترك العجلة محمود فليس مطلقا، بل التأخير والتأني في الأمور الحسنة غير محمود البتة، لأن المالك إذا أمر رسله وعباده بتعجيل أمر فإن لم يسارعوا إلى أمره يكونوا عصاة لا محالة كما قال الله تعالى {وإن منكم لمن ليبطئن} وقال تعالى في مدح عباده المتعجلين في امتثال أوامره {أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون} ولهذا صار المثل المشهور «لا حاجة إلى الاستخارة في أمر الخير» و «خير الخير ما كان عاجله». والإمام الذي له منصب هداية الخلق وإرشاد الضالين كيف يجوز له التاني إذ يفوت منه فيه واجبات كثيرة، وأيضا يكون للتأني حد، وهل يمضى أحد في التأني خمسة وعشرين عاما؟ ولو قال: إن تأني الأمير كان بأمر الله تعالى قلا يلزم ترك الواجبات، قلنا: فقد علم أن إمامة الأمير لم تكن متحققة في ذا الزمن، وإلا فنصبه للإمامة ثم أمره بالتأني وترك لوازم الإمامة متناقضان فيما بينهما، ويشبه ذلك أن السلطان قلد أحدا القضاء وأمره بالاختفاء مدة ذلك قائلا له: لا تظهر قضاءك في تلك المدة، وامتنع أن تقام قضية بحضورك، ولا تتكلم بين المتخاصمين. فهذا يدل صريحا على أن السلطان يعده القضاء، لا أنه نصبه بالفعل للقضاء. ولو حملنا على الظاهر يلزمه التناقض الصريح وتفويت الغرض من نصب القاضي، بل هو محض السفاهة. ولا يخفى قبحه، والله تعالى منزه عن ذلك. وأيضا إذا كان الأمير مأمورا من الله بالتأني وإخفاء الإمامة وترك دعواها يكون المكلفون في ترك متابعته وإطاعة الأمر معذورين، فلو خالفوا ونصبوا غيره لحفظ دينهم ودنياهم وتمشية مهماتهم في هذه المدة؛ لا يكون للعقاب والعتاب عليهم محل أصلا إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها.