للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحديث الحادي عشر: رواه أبو سعيد الخدري أنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي «إنك تقاتل علي تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله». (١)

ولا يخفى أن هذا الحديث لا مساس له بمدعاهم، إذ مفاده: إنك تقاتل في حين من الأحيان على تأويل القرآن. وهذا هو مذهب أهل السنة أن الأمير في مقاتلاته حين قاتل كان على الحق ومصيبا لا ريب فيه، ومخالفوه كانوا على الخطأ ولو بالاجتهاد. ولا دلالة في هذا الحديث على أن الأمير إمام بلا فصل، إذ لا ملازمة بين المقاتلة على تأويل القرآن والإمامة بلا فصل بوجه من الوجوه، فإيراد هذا الحديث في مقابلة أهل السنة غاية الجهل، بل لو استدل به على مذهب أهل السنة لأمكن، لأنه يفهم منه بالصراحة أن الأمير قد يكون إماما في عصر يقاتل فيه على تأويل القرآن ووقت قتاله معلوم متى كان، وهو من دلائل أهل السنة على أن الحق كان في جانب الأمير وكان مقاتلوه على الخطأ حيث لم يفهموا معنى القرآن وأخطأوا في اجتهادهم. وإنكار تاويل القرآن ليس بكفر إجماعا، (٢) وإن أنكر أحد معنى القرآن الظاهر بسوء فهمه ففي كفره تأمل، فضلا عن أن ينكر المعنى الخفي الذي هو التأويل. (٣) وعقيدة الشيعة أن محاربيه كفرة (٤) كما ذكر في (تجريد العقائد) للطوسي. ولا وجه لكفرهم على أصول الشيعة أيضا.

الحديث الثاني عشر: رواه زيد بن أرقم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إني تارك فيكم الثقلين، فإن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي: أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله وعترتي» (٥)

وهذا الحديث أيضا كالأحاديث السابقة لا مساس له بمدعاهم، وإذ لا يلزم أن يكون المتمسك صاحب الزعامة الكبرى. سلمنا، ولكن قد صح الحديث أيضا «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنوجذ». (٦) سلمنا، ولكن العترة في لغة العرب هم الأقارب، فلو دل الحديث على الإمامة لزم أن يكون جميع أقاربه - صلى الله عليه وسلم - أئمة واجبي الإطاعة وهو باطل. وأيضا قال - صلى الله عليه وسلم - «واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد»، (٧) «وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل» (٨) خصوصا قوله «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» البالغ درجة الشهرة والتواتر المعنوي، فلزم من هذه الأحاديث أن يكون أولئك الأشخاص أئمة وأن يدل هذا الحديث على إمامة


(١) تقدم تخريجه
(٢) قال الآلوسي الجد في التكفير: «وألفاظ الأحاديث الظاهرة في تكفير بعض أهل البدع والأهواء من لم يكفرهم الجمهور كالقدرية والخوارج والرافضة عرضة للتأويل، فلا تعارض الأدلة القاطعة بخلافها، وقد ورد مثلها في غير الكفرة من عصاة المسلمين كالمرائين، مع القطع بعدم كفرهم إجماعا على طريق التغليظ، وكفر دون كفر وإشراك دون إشراك». نهج السلامة: ١١/أ. وقال الآشتياني من الإمامية: «إنه لا يحكم بكفر غير المستلزم بما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو في الضروريات ... وإن كان ظاهر بعض الأخبار الجحود للكفر مطلقا لكنه محمول على الإهمال بقرينة الأخبار سيما في الكتاب». بحر الفوائد: ١/ ٢٨٤.
(٣) قال ابن تيمية: «التأويل هو الحقيقة التي يؤول إليها الكلام وإن وافقت ظاهره، فتأويل ما أخبر الله تعالى به من الجنة من الأكل والشرب ... ». مجموع الفتاوى: ٥/ ٣٦.
(٤) قال الطوسي: «إن من حارب أمير المؤمنين عندنا كافر». بحار الأنوار: ٨/ ٣٦٨.
(٥) أخرجه مسلم
(٦) أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه.
(٧) الترمذي وصحيح الجامع: رقم ١١٤٤
(٨) أحمد والترمذي وابن ماجة. صحيح الجامع: رقم ٨٩٥.