للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(١) ونقل شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي في التهذيب (٢) عن شيخه الملقب بالمفيد أنه قال: إن أبا الحسين الهاروني كان أولا شيعيا قائلا بالإمامة ثم لما التبس عليه أمر التشيع بسبب كثرة اختلاف الإمامية ووجد أخبارهم متناقضة متعارضة بغاية الكثرة والشدة رجع عنه وصار شافعيا، ومن كانوا استفادوا وتلمذوا منه في مدة عمره هذه اتبعوه في الرجوع وتبرأوا من المذهب. (٣) والحق أن من تأمل في هذا المذهب تأملا صادقا وعثر على أخبار أصحابه واختلاف أقوالهم كا ينبغي فقد علم باليقين أن سبيل النجاة في هذا المذهب مسدود وطريق الخلاص من مضيق التعارض فيه مفقود، فبالضرورة يتركه ويرجع إلى المذاهب الأخرى إن كان من أهل الحق. وتفصيل ذلك أن الشيعة لهم روايات كثيرة متعارضة عن أئمتهم، بحيث يررون عن كل إمام كلاما مخالفا للإمام الآخر ومخالفا لكتاب الله وسنة رسوله، واحتمال النسخ هنا منتف البتة، إذ ناسخ كلام النبي لا يكون إلا نبيا آخر، ولا يجوز للإمام أن ينسخ أحكاما إلهية أو سنن النبي، وإلا فالإمام لا يكون إماما، إذ الظاهر أن الإمام نائب لا مخالف له ولا نبي مستقل.

وأيضا لو قلنا بالنسخ لقلنا بالضرورة إن الإمام المتأخر ناسخ لكلام الإمام المتقدم، فصار مدار العمل على روايات الإمام المتأخر مع أن هؤلاء الفرقة قد أجمعوا في كثير من المواضع على العمل بروايات المتقدم. (٤) وأيضا يمتنع النسخ في الأحكام المؤبدة أيضا وإلا يلزم تكذيب المعصوم، مع أن اختلاف رواياتهم قد وقع في الأحكام المؤبدة أيضا، فزال احتمال النسخ بالكلية، ووجوه ترجيح أحد الخبرين على الأخر لتوثيق رواتهم مطلقا مسدودة، لأن عدة كتب في مذهبهم قرروها كالوحي المنزل من السماء (٥) وما أتى به أحد يحسبه الآخر من تراب الأرض، فلو وثقناها كلها بزعم علمائهم لا يمكن ترجيح بعضها على بعض، وإذا قلنا ما قال بعض الإخباريين


(١) الفرق بين الفرق: ص٢٦٥؛ الملل والنحل: ١/ ١٦٧؛ فضائح الباطنية: ص١٦.
(٢) كتاب (التهذيب) أحد الكتب الأربعة التى عليها مدار مذهب الشيعة. وهذه العبارة بشأن أبي الحسين الهاروني في خطبة كتاب التهذيب مع الإسهاب في الاعتراف بأن الشيعة أشد الفرق اختلافا في مسالئلهم وأحكامهم وأن ذلك دليل على فساد الأصل.
(٣) تهذيب الأحكام: ١/ ٢.
(٤) أمثلة في الباب السادس.
(٥) روى الصفار عن حمران بن أعين قال: «قلت لأبي عبد الله - عليه السلام -: جعلت فداك بلغني أن الله تبارك وتعالى قد ناجى عليا - عليه السلام - قال: أجل قد كان بينهما بالطائف نزل بينهما جبريل». بصائر الدرجات: ص ٢٩١؛ المفيد، الاختصاص: ص ٢٧٨. وينظر ص ١٦٠ من هذا الكتاب.