للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في حق بعضهم وشرعنا في الطعن والجرح عليهم بناء على قولهم يصيرون كلهم مطعونين ومجروحين فلم يظهر سبيل للترجيح أصلا، فبالضرورة لزم تساقط رواياتهم، وانجر الأمر إلى تعطيل الاحكام.

وهذه كلها في روايات فرقة واحدة منهم كالاثني عشرية مثلا، إذ كل عالم منهم يروي مخالفا لرواية الآخر. مثلا جمع منهم رووا بأسانيد صحيحة أن المذي لا ينقض الوضوء، (١) وجمع أخرون رووا كذلك أنه ينقض الوضوء. (٢) وجماعة روت أن سجدة السهو لا تجب في الصلاة، وجماعة روت أنها تجب فيها، (٣) والأئمة أيضا سجدوا للسهو. (٤) وبعضهم يروون أن إنشاد الشعر ينقض الوضوء، (٥) وبعضهم يروون أنه لا ينقضه (٦) وجمع يروون أن المصلي إن لعب عبث بلحيته أو بأعضائه الأخر لا تفسد صلاته، (٧) وجمع يرون أن المصلي أن يلعب بخصيتيه وذكره تجز صلاته. (٨) وهذه الأحوال توجد في جميع أخبارهم كما يشهد بذلك كتاب الفقيه.

ومن تصدى من علمائهم للجمع بين الروايات فقد أتى بأعمال عجيبة، وقد قدموا في هذا الأمر شيخ طائفتهم صاحب التهذيب (٩) وغاية سعيه هو الحمل على التقية، (١٠) وقد حمل في بعض المواضع على التقية شيئا ليس ذلك مذهب أحد من المخالفين أو كان مذهبا ضعيفا بأن المخالفين لم يذهبوا إليه إلا أحد أو اثنان اختاروه، وظاهر أن الأئمة العظام لم يكونوا جبانين خائفين بهذا القدر حتى يبطلوا عباداتهم بتوهم أنه لعل أحدا اختار هذا المذهب ويكون حاضرا في هذا الوقت، معاذ الله من سوء الاعتقاد في جناب الأئمة! وفي بعض المواضع حمل جملة من الخبر على التقية وترك مدلول الجملة الثانية منه الذي هو مخالف لمذهب أهل السنة على حاله. ولو كانت التقية فلا معنى في اختيار التقية في جملة غير مخالفة والإظهار في جملة أخرى هي مخالفة لمذهب أهل السنة. فهل هم يعتقدون أن الأئمة كانوا - معاذ الله - براء من العقل والفهم؟ مثاله خبر علي - رضي الله تعالى عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره بغسل الوجه مرتين وبتخليل


(١) روى الإمامية عن بريد بن معاوية أنه قال: «سألت أحدهما [الباقر أو الصادق]- عليه السلام - عن المذي فقال: لا ينقض الوضوء ولا يغسل منه ثوب ولا جسد إنما هو بمنزلة المخاط والبزاق». الكافي: ٣/ ٣٩؛ الاستبصار: ١/ ٩١
(٢) روي عن محمد بن إسماعيل قال: «سألت أبا الحسن [الرضا]- عليه السلام - عن المذي؟ فأمرني بالوضوء منه، ثم أعدت عليه سنة أخرى فأمرني بالوضوء منه». ابن بابويه، من لا يحضره الفقيه: ١/ ٦٥؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: ١/ ١٨.
(٣) رووا عن أبي بصير عن أبي عبد الله [الصادق]- عليه السلام -: «قال إذا لم تدر خمسا صليت أم أربعا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك وأنت جالس ثم سلم بعدها». الكليني، الكافي: ٣/ ٣٥٥؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: ٢/ ١٩٥.
(٤) عن محمد بن علي الحلبي قال: «سمعت أبا عبد الله [الصادق] يقول في سجدتي السهو: بسم الله وبالله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته». الكليني، الكافي: ٣/ ٣٥٦؛ ابن بابويه، من لا يحضره الفقيه: ١/ ٣٤٢؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: ٢/ ١٩٦.
(٥) أخرج الطوسي عن زرعة بن سماعة قال: «سألت أبا عبد الله - عليه السلام - عن نشد الشعر هل ينقض الوضوء أو ظلم الرجل صاحبه أو الكذب؟ فقال: نعم إلا أن يكون شعرا يصدق فيه أو يكون يسيرا من الشعر، الأبيات الثلاثة والأربعة، فأما أن يكثر من الشعر الباطل فهو ينقض الوضوء». الاستبصار: ١/ ٨٧؛ وسائل الشيعة: ١/ ٢٦٩.
(٦) روى ابن بابويه وغيره عن معاوية بن ميسرة قال: «سألت أبا عبد الله - عليه السلام - عن إنشاد الشعر هل ينقض الوضوء؟ قال: لا». من لا يحضره الفقيه: ١/ ٦٣؛ وأخرجه الكليني، الكافي: ١/ ١٦؛ الطوسي الاستبصار: ١/ ٨٦.
(٧) روى الطوسي عن مسلمة بن عطا قال: «قلت لأبي عبد الله - عليه السلام -: أي شيء يقطع الصلاة؟ قال: عبث المصلي بلحيته». تهذيب الأحكام: ٢/ ٣٧٨؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة: ٧/ ٢٦٢.
(٨) تقدمت
(٩) هو محمد بن حسن الطوسي المتوفي سنة ٣٨١، وتقدم أن (التهذيب) أحد الكتب الأربعة التى عليها مدار مذهبهم، وهو نفسه مؤلف كتاب (من لا يحضره الفقيه) أراد أن يكون في الفقه للشيعة ككتاب (من لا يحضره الطبيب) في الطب لمحمد بن زكريا الرازي.
(١٠) في كتابه ما يقارب الخمسمائة رواية عن أئمة أهل البيت فسرها بالتقية، أي نحو خمس روايات الكتاب،