للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأمة ويأتي آخرون لم يطلعوا على فساد أعمالهم وبطلان أحوالهم أصلا خلاف الحكمة والصلاح، فقد لزم منه ترك الأصلح. وليت هذه الأمور تقع في اليوم الآخر (١) حتى يطلع كل من الأولين والآخرين على هذا الجزاء والقصاص فيكون لها وجه في الجملة، بخلاف وقوعها قبله إذا مضى أكثر عمر الأمة وبقيت الدنيا قليلا فإن بعض الناس الذين يحضرون ذلك الوقت إن أطلعوا على جنايتهم وذنوبهم فلا فائدة فيه، لأنه لم يكن في ذلك الوقت من يعرف أبا بكر وعمر ومعاوية فيميز أحدهم عن الآخر، بل ينشأ الاحتمال عند كلهم أن عدة ناس سموهم بأساميهم كيزيد وشمر (٢) المجعولين في الأيام العشرة من المحرم للقتل توطئة لتشفية قلوبهم.

ولو كان يكفي قول المهدي والأئمة الآخرين إن فلانا أبو بكر وفلانا عمر فلماذا لا يقبل قولهم في بطلان أمر خلافتهم وغضبهم وظلمهم وتعذيبهم في البرزخ - معاذ الله - حتى يحتاج إلى أحيائهم؟ وأيضا يلزم على هذا التقدير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - والوصي والأئمة لابد لهم أن يذوقوا موتا آخر زائدا على سائر الناس للزوم تعاقبه للحياة الدنيا، وظاهر أن الموت أشد آلام الدنيا، فلم يجوز الله سبحانه إيلام أحبائه عبثا؟ وأيضا إذا أحيي هؤلاء الظلمة سيعلمون بالقرائن أنهم أحيوا للتعذيب والقصاص، وأنهم كانوا على الباطل والأئمة على الحق فيتوبون بالضرورة توبة نصوحا إذ التوبة مقبولة في الدنيا ولو بعد الرجعة فكيف يمكن حينئذ تعذيبهم؟ وأيضا يلزم على هذا التقدير إهانة الأمير والسبطين، فإنهم كانوا عند الله أذل من كل ذليل حتى أن الله تعالى لم ينتقم من أعدائهم ولم يجعلهم قادرين عليهم إلا بعد مضي ألف وعدة مئات من السنين إذ يظهر المهدي لإغاثتهم بواسطته وينتقم من أعدائهم ويجعلهم قادرين عليهم! وبالجملة فإن مفاسد هذه العقيدة أزيد من أن تحيط بها الكتابة والعبارة.


(١) والذين يكذبون على الله، ويخترعون هذه السخافات مستبعد عليهم أن يكونوا مؤمنين باليوم الآخر، وكيف يؤمن باليوم الآخر من ينتسب إلى الإسلام ويكون في قلبه كل هذا الحقد الفاجر على مثل أبي بكر وعمر اللذين لم تنجب الإنسانية بعد أنبياء الله من بلغ شانهما؟
(٢) شمر بن ذي الجوشن (شراحبيل) بن قرط الضبابي الكلابي، شهد صفين مع علي ثم شارك في قتل الحسين وبعدها قام بالكوفة، وقتله أعوان المختار سنة ٦٦هـ. الكامل في التاريخ: ٤/ ٩٢؛ ميزان الاعتدال: ١/ ٤٤٩.