للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كافة منكرون للرجعة إنكارا شديدا، وقد ذكر في كتبهم رد هذه العقيدة بروايات الأئمة وكفى الله المؤمنين القتال. وقد قال الله تعالى {وهو الذي أحياكم} أي أنشأكم من العدم الفطري {ثم يميتكم} عند انقضاء آجالكم {ثم يحييكم} أي يوم القيامة للجزاء. (١) وقال {وكنتم أمواتا فأحياكم} في الدنيا {ثم يميتكم} بعد انقراض آجالكم {ثم إليه ترجعون}. (٢)

والدليل العقلي الموافق لأصول الإمامية على بطلان هذه العقيدة أنهم لو عذبوا بسوء أعمالهم بعد ما رجعوا في الحياة الدنيا ثم يعاد عليهم العذاب في الأخرة لزم الظلم الصريح، فلا بد أن يكونوا في الآخرة معذبين، فحصل لهم تخفيف عظيم عن العذاب المستمر الدائم وراحة أبدية، وذلك مناف لغلط الجناية وعظم الجرم، قال الله تعالى {ولعذاب الآخرة أشد وأبقى}. والدليل الآخر على بطلانها أن الخلفاء الثلاثة لم يرتكبوا ما يوجب تعذيبهم إلا غصب الخلافة وبعض حقوق أهل البيت على زعم الشيعة، وذلك الغصب بعد تسليمه غايته أن يكون فسقا كما عليه متأخروهم أو كفرا كما زعم متقدموهم، ولا شيء من الكفر والفسق يوجب الرجعة في الدنيا بعد الموت قبل البعث، وإلا يلزمهم أن يعتقدوا رجعة الكفرة والفسقة من أهل الأديان كلهم أجمعين، ولا اختصاص لهذا الكفر والفسق بالرجعة، وإلا يلزمهم أن يقولوا بكونها أكبر من الشرك بالله تعالى والكفر به - نعوذ بالله من ذلك - ومن تكذيب الأنبياء وقتلهم بغير حق وإيذائهم ونحوها - معاذ الله من كلها. وهذه اللوازم باطلة محضا عندهم، فقد تبين للعارف المنصف أن هذه العقيدة الخبيثة باطلة على أصولهم والقول بها ضلالة. وأيضا لو كان المقصود من تعذيبهم في الدنيا إيلامهم وإيذائهم يكون ذلك حاصلا لهم في عالم القبر أيضا، فالإحياء عبث والبعث قبيح يجب تنزيه الله تعالى عنه. وإن كان المقصود إظهار جنايتهم عند الناس فقد كان الأولى بذلك الإظهار لمن كانوا معتقدين بحقية خلافتهم وناصرين لهم في زمنهم، فكان لا بد حينئذ أن يؤتى السبطان القدرة على الانتقام منهم حتى لا تضل بقية الأمة ويتبرأوا من أفعالهم. وهذا القدر في تأخير الانتقام بعد ما يمضي أكثر


(١) ابن كثير، التفسير: ٣/ ٢٣٤.
(٢) ينظر روح المعاني للآلوسي: ١/ ٢١٤.