للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي هذه الرواية مخالفة للقواعد المقررة في الشريعة بعدة وجوه:

(الأول) أن حب شخص أو بغضه لو كان إيمانا أو كفرا لا يلزم أن يكون ذلك الشخص قسيما للجنة والنار، لأن سائر الأنبياء والمرسلين والأئمة والسبطين لهم هذه الرتبة وليس أحد منهم قسيما لهما.

(الثاني) أن حب الأمير ليس كل الإيمان، وإلا يبطل التوحيد والنبوة والإيمان بالمعاد، والعقائد الضرورية الآخر للشيعة كلها، ولا تمام المشترك بينهما، لأن التوحيد والنبوة أصل أقوى وأهم، وعليه مناط تحصيل الإيمان. وأيضا يلزم على ذلك التقدير أن يجوز سب الأئمة الآخرين وإيذائهم - معاذ الله من ذلك - فلما لم يكن كل الإيمان ولا تمام المشترك بينهما، بل يثبت أنه جزء من أجزاء الإيمان لم يكن ليكفي وحده في دخول الجنة، وهذا هو الأظهر.

(الثالث) أن قولهم «لا يدخل النار إلا مبغضوه» يدل صراحة على أنه لا يدخل النار أحد من الكافرين الذين لم يبغضوه كفرعون وهامان وشداد ونمرود وعاد وثمود وأضرابهم، لوجود الحصر في العبارة، لأن أولئك المذكورين لم يبغضوا عليا بل لم يعرفوه، وهو باطل بالإجماع.

(الرابع) أنا لو أسلمنا ذلك كله فليس لتلك العبارة مساس بمدعاهم، لأن حاصلها أنه لا يدخل الجنة من لا يجب عليا، لا أن كل من يحبه يدخلها. والفرق بينهما واضح، لأن الأول يكون دخول الجنة مقصورا على المحبين بخلاف الثاني فإن فيه كون المحب مقصورا على الدخول فلا يوجد بما سواه ومدعاهم هذا دون الأول.

(الخامس) لو تجاوزنا عن هذه كلها يلزم أن يكون جميع فرق الروافض ناجين، وهو خلاف مذهب الإمامية. ولما لم تنطبق هذه الرواية على غرضهم روى ابن بابويه رواية أخرى عن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «جاءني جبريل وهو مستبشر فقال: يا محمد، إن الله الأعلى يقرئك السلام وقال: محمد نبيي ورحمتي، وعلي حجتي، لا أعذب من والاه وإن عصاني، ولا أرحم من عاداه وإن أطاعني» (١) والدليل على كذب هذه الرواية أن معنى النبوة ههنا قد ثبت في الحقيقة لعلي لأن حبوط الطاعات إنما هو في حق منكر الأنبياء خاصة، ولزم تفضيل علي على النبي لأنه لم يثبت له رتبة الحجية، إذ منكره يكون من جملة العصاة والمقر به من جملة المطيعين، ومع هذا لا خوف على العاصي ولو كان منكرا للرسول إذا كان


(١) الأمالي: ص ٦٥٨؛ الطوسي، الأمالي: ١١٨؛ المفيد، الأمالي: ص ٧٦.