للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للأمير فلم عذب في النار هذه المدة المديدة؟ وإن كان مبغضا له فلم يدخل الجنة مغفورا له؟ والأظهر أن محبة الأمير لن تفيد أبدا من خالف عقيدته وترك طريقته.

وقد يورد على ذلك أن من كان منكرا لولاية السبطين والبتول والأئمة الأخرين ومحبا للأمير أن يكون من أهل الجنة ولا يمسه عذاب النار أصلا، مع أن ابن المعلم الملقب بالمفيد روى في كتاب (المعراج) له أن الله تعالى قال «يا محمد، لو أن عبدا عبدني حتى يصير كالشن البالي [ثم] (١) أتاني جاحدا لولاية محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ما أسكنته جنتي» (٢) فالكيسانية مع جحودهم بولاية السبطين والغلاة مع مخالفتهم عقيدة الأمير لا بد أن يكونوا ناجين من أهل الجنة على ما رواه ابن بابويه. فإن قالت الإمامية: إن هذه الرواية ذكر فيها الجحود بولاية كل واحد من الخمسة فولاية الأمير من جملتها فلعل رد عبارات ذلك الرجل لكونه جحد ولاية الأمير بناء على كون النجاة بناء على كون منوطة بالولاية المطلقة فجحود إحدى الولايات مناف لها: قلنا فعلى هذا جحود ولاية محمد - صلى الله عليه وسلم - المستلزم للكفر يكون كافيا بالإجماع في حبوط الأعمال من غير أن يكون لجحود ولاية علي دخل فيه، فعلم أن المقصود ههنا جحود ولاية كل واحد منهم منفردة وبه يثبت المدعى.

ولما انجر الكلام لزم أن نبين أن الاثني عشرية يعتقدون أن جميع فرق الشيعة - سوى فرقتهم - مخلدون في النار وهم ناجون. (٣)

قال ابن المطهر الحلي في (شرحه للتجريد): إن علماءنا لهم اختلاف في حق هؤلاء الفرق، قال بعضهم مخلدون في النار لعدم استحقاقهم الجنة وقال بعضهم يخرجون من النار ويدخلون الجنة وقال ابن نوبخت (٤) والعلماء الآخرون يخرجون من النار لعدم الكفر ولا يدخلون الجنة لعدم الإيمان الصحيح الذي يوجب استحقاق ثواب الجنة بل يمكثون في الأعراف خلودا. (٥)

وقال صاحب (التقويم) (٦) الذي هو من أجل علماء الإمامية: إن الشيعة المحضة قد تفرقت على اثنين وسبعين فرقة والناجية منهم الاثنا عشرية والباقون يعذبون في النار مدة ثم يدخلون الجنة. فهم يثبتون جزما في حق من يحب الأمير إما تعذيبا دائما أو منقطعا. وأيضا قال صاحب التقويم: وأما سائر


(١) ليست في الأصل بل من كتب الإمامية
(٢) تفسير فرات: ص ٧٣؛ ابن بابويه، عيون أخبار الرضا: ١/ ٥٨؛ ابن طاوس، اليقين: ص ١٤٩.
(٣) رووا عن حمران أنه: «سأل عن المخالفين هل هم ممن يخرجون من النار؟ فقال أبو عبد الله: أما يقرؤون قول الله تبارك (ومن دونهما جنتان) إنها جنة دون جنة ونار دون نار، إنهم لا يساكنون أولياء الله، وقال: بينهما والله منزلة، ولكن لا أستطيع أن أتكلم، إن أمرهم لأضيق من الحلقة، إن القائم لو قام لبدأ بهم». بحار الأنوار: ٨/ ٣٥٩. ويشرح المجلسي فيقول: «قوله - عليه السلام -: إن أمرهم: أي المخالفين، لأضيق من الحلقة: أي الأمر في الآخرة مضيق عليهم لا يعفى عنهم كما يعفى عن مذنبي الشيعة، ولو قام القائم بدأ بقتل هؤلاء الكفار، فقوله (لا أستطيع التكلم): أي في تكفيرهم تقية»!!. وقال المجلسي أيضا: «والحاصل إن المخالفين ليسوا من أهل الجنان ولا من أهل المنزلة بين الجنة والنار، وهي الأعراف، بل هم مخلدون في النار ... ». بحار الأنوار: ٨/ ٣٦٠ - ٣٦١.
(٤) كذا، وهو الحسن بن موسى، أبو محمد النوبختي، قال عنه الذهبي: «العلامة ذو الفنون الشيعي المتفلسف»، وقال عنه النجاشي: «شيخنا المتكلم المبرز على نظرائه في زمانه»، مات بعد سنة ٣٠٠هـ. رجال النجاشي: ١/ ١٧٩؛ سير أعلام النبلاء: ١٥/ ٣٢٧؛ لسان الميزان: ٢/ ٢٥٨؛ معجم المؤلفين: ٣/ ٢٩٨.
(٥) شرح تجريد الاعتقاد: ص ٤٢٣ - ٤٢٤.
(٦) محمد باقر بن محمد الحسيني الأسترآبادي الأصفهاني الملقب عندهم بالمحقق الداماد (ت ١٠٤٠هـ)، وكتابه (تقويم الإيمان). الذريعة: ٤/ ٣٩٦.